قطع اللجاج في الرد على سليل آل فراج









قطع اللجاج
في الرد على
 سليل آل فراج
رد على عماد فراج في رسالته
مهمات في مسألة تحكيم القوانين

بقلم أبي طارق
محمود محفوظ


قوله:
[الأولى: كنت قد قلت في رسالتي [تحكيم القوانين كفر بالله العظيم[ أن كلام ابن عباس رضي الله عنهما يتنزل على من كان ملتزماً بحكم الله؛ لكنه حكم في قضية معينة بظلم أو بهوى، مع اعترافه بعصيانه، ووجوب الحكم بما أنزل الله] اهـ.
التعليق:
1-      ما دليلك على تخصيص العمومات " مَن" و " ما " بـ (القضية المعينة مع الالتزام بحكم الله)؟
2-    هل "الالتزام" في قولك: " وكان ملتزماً بحكم الله " تعني به "الالتزام القلبي" أم "الالتزام العملي"؟ أحدهما؟ أم كليهما؟ أم لا فرق بينهما عندك؟ أم لا تدري؟
(سيأتي الكلام على كلٍ إن شاء الله في موضعه.)
3-     وهل هذا الالتزام -المشترط في عدم التكفير-الالتزام بكل أحكام الله في حياة هذا الرجل أم في المسائل القضائية لدى المحاكم الجنائية والمدنية فحسب؟
 وما الدليل على هذا التخصيص -إن خصصت-؟
4-     وهل الذين ذكروا " القضية المعينة "من أهل العلم قصدوا حصر تفسير الآية فيها؟ أم أن سياق كلامهم لا يساعدك على ذلك الحمل البعيد؟
(وسيأتي مزيد بسط في موضعه.)
5-     وإذا سلمنا أن منهم من حصر ذلك في القضية المعينة-وقصد الحصر-فهل معه دليل وحجة؟ أم أن كلامه يحتاج لدليل وحجة؟
تساؤلات؛ تحتاج لإجابات شافيات، ودلائل واضحات، وهيهات هيهات!
قوله:
(أما من يشرع قوانين يحاكم الناس إليها، ويثيب ويعاقب عليها؛ فغير داخل في هذا التقسيم أصلاً؛ بل فعله هذا كفر أكبر مخرج من الملة) اهـ
التعليق:
1-      هل شرَعَ الجهمية قوانين حاكموا الناس إليها في زمن المأمون والمعتصم والواثق؟ أوقع ذلك منهم أم لا؟
2-     هل كانوا يثيبون عليها ويعاقبون؟ أحدث ذلك منهم أم لا؟
3-    هل كانوا يلقنونها للصبيان في الكتاتيب؟ أفعلوا ذلك أم لا؟
4-    ثم هل القول بخلق القرآن كفرٌ أكبر؟ أَنُقِلَ إجماعُ السلف على ذلك أم لا؟
5-    أليس حَمْلُ الناس على هذا القول بالسلاح والعذاب والثواب والعقاب والترغيب والترهيب كفراً؟ أتقر بهذا أم لا؟
6-    ثم نقول: أ كفَّر الإمام أحمد – هؤلاء – بأعيانهم أم نادى المعتصم الجهمي بـ " يا أمير المؤمنين "
7-   وهل استغفر لبعضهم أم لا؟
فهل الكافر يقال له " أمير المؤمنين " وهل الكافر يستغفر له بعد موته "؟
 وهل أحمد داهن هؤلاء؟ أم كان يرى التقية؟
8-    أيهما أشد خطراً؛ كلام الجهمية أم تحكيم القوانين الوضعية؟
9-     فإذا كان هؤلاء قد شرعوا للناس قانونًا غير شرعي -بل هو الكفر الأكبر-وأثابوا وعاقبوا عليه؛ فلماذا لم يكفرهم أحمد – أعنى الولاة والقضاة المعينين-؟
قال شيخ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله-في «مجموع الفتاوى» (23/348-349):
«وتكفير الجهمية مشهور عن السلف والأئمة؛ لكن ما كان يُكَفِّر أعيانهم، فإن الذي يدعو إلى القول أعظم من الذي يقول به، والذي يعاقب مخالفه أعظم من الذي يدعو فقط، والذي يكفر مخالفه أعظم من الذي يعاقبه، ومع هذا فالذين كانوا من ولاة الأمور يقولون بقول الجهمية: أن القرآن مخلوق، وأن الله لا يُرى في الآخرة ، وغير ذلك، ويدعون الناس إلى ذلك، ويمتحنونهم ، ويعاقبونهم، إذا لم يجيبوهم ، ويكفرون من لم يجبهم، حتى إنهم كانوا إذا أمسكوا الأسير لم يطلقوه حتى يقرَّ بقول الجهمية: أن القرآن مخلوق، وغير ذلك، ولا يُوَلُّون متولياً ولا يعطون رزقاً من بيت المال؛ إلا لمن يقول ذلك، ومع هذا؛ فالإمام أحمد- رحمه الله تعالى- ترحَّم عليهم، واستغفر لهم؛ لعلمه بأنهم لم يتبيّن لهم أنهم مكذّبون للرسول، ولا جاحدون لما جاء به، ولكن تأولوا؛ فأخطئوا، وقلَّدوا من قال لهم ذلك».
وقال-رحمه الله-(7/507-508):
«مع أن أحمد لم يكفر أعيان الجهمية، ولا كل من قال: إنه جهمي كفَّره، ولا كل من وافق الجهمية في بعض بدعهم؛ بل صلّى خلف الجهمية الذين دعوا إلى قولهم، وامتحنوا الناس وعاقبوا من لم يوافقهم بالعقوبات الغليظة، لم يكفِّرهم أحمد وأمثاله؛ بل كان يعتقد إيمانهم، وإمامتهم؛ ويدعو لهم؛ ويرى الائتمام بهم في الصلوات خلفهم، والحج، والغزو معهم، والمنع من الخروج عليهم ما يراه لأمثالهم من الأئمة.
 وينكر ما أحدثوا من القول الباطل الذي هو كفر عظيم وإن لم يعلموا هم أنه كفر؛ وكان ينكره ويجاهدهم على ردِّه بحسب الإمكان؛ فيجمع بين طاعة الله ورسوله في إظهار السنة والدين، وإنكار بدع الجهمية الملحدين، وبين رعاية حقوق المؤمنين من الأئمة والأمة؛ وإن كانوا جهالاً مبتدعين؛ وَظَلَمَة فاسقين» اهـ
10- وإذا كانت القوانين الوضعية غير داخلة في هذا التقسيم أصلاً-كما تزعم-فبأي دليل كفَّرت بها وهي غير داخلة أصلاً؟
 فيلزمك الآن أن تبحث عن دليلٍ آخر؟ وإنا منتظرون.
11-  وطالما أنك سلمتَ بشمول الآية نفسها للكفر الأصغر وبالتفصيل -ولو في (القضية المعينة) -سقط قولك ولزمك القول بأن تحكيم القوانين ليس (كفراً أكبر بإطلاق) ولزمك التسليم فيه بالتفصيل.
12-                     وإذا كانت كذلك وأنها معصية وكفر دون كفر؛ فهل مجرد تعميم المعصية والإثابة والعقوبة عليها يجعلها كفراً؟
13-                     وهل يقاس على (حاكم البلاد) من لا يعطى المرأة نصيبها من الإرث أو يعطيها أقل من نصيبها الشرعي بدعوى أنها لا تشارك في (العزاء البدعي، والمندرة، والليالي البدعية) -وهذا شرعٌ متَّبعٌ في الصعيد وأنت تعرفه؟
 فهل تلتزم بذلك فتكفِّرَ بهذا التشريع العام والإلزام والثواب والعقاب؟
ونحن ننتظر منك أن تعلن الرجوع عن هذا القول أو التصريح بتكفير آبائك وأعمامك وأجدادك الأقربين؟ 
14-  وهل تعذر أرباب البدع الذين شرعوا بدعاً -غير مكفرة طبعاً-وجعلوها أوراداً وألزموا بها أتباعهم وقنَّنوها؟
 فهل تعذرهم بالتأويل؟
أم تكفرهم بالعموم؟
15-  وإذا عذرتهم بتأويلهم الفاسد فهل يصلح تأويلُ المفتين الذين يعمِّمون القول بالتفصيل في حكم القوانين ويفتون الحاكم بذلك؟
أم تستثنيه من العذر فلا تعذره بل تكفره بدعوى أن فساده أكبر ودولته أعظم؟
 وهل هذا يصلح مناطاً للتكفير؟ وما دليلك على ذلك؟

قوله:
(وأن قوله رضي الله عنهما: (ليس بالكفر الذي تذهبون إليه)، أو (كفر دون كفر) ليس تفسيراً لقوله تعالى:} وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ{ بل هو رد على الخوارج الذين أرادوا تكفير الحكمين؛ فاحتجوا عليه بهذه الآية؛ فقال لهم: (إنه ليس الكفر الذي تذهبون إليه) اهـ
التعليق:
1-     ما قولك فيمن ذكرها من أهل العلم -ومنهم الطبري-على أنها (تفسير)؟
 أمخطئ هو أم مصيب؟
2-      وإن كان مخطئاً فهل خطؤه يلحقه بالمرجئة أم يستثنى من القاعدة؟
3-      وهل هؤلاء السلف الذين ذكروا كلام ابن عباس رضي الله عنهما باعتباره تفسيراً وأقروها وارتضوها ولم ينكروها يعتدُّ بإقرارهم؟
4-     وهل جاء -ولو في سياقٍ واحٍد -من طرق التفسير عنه-رضي الله عنهما-لها أنه ذكر ذلك رداً على الخوارج -كما تزعم-؟
5-    ولماذا الخلط بين مناظرة ابن عباس للخوارج وبين تفسيره للآية وهما أمران مختلفان؟
 وتصرُّ على هذا الخلط والتلبيس حتى الرمق الأخير؟ يا له من عناد ولجاج!
6-    وهل طاووس ومجاهد وغيرهما من تلاميذ ابن عباس لما فسر ابن عباس رضي الله عنه لهم الآية كان ذلك له علاقةٌ بالخوارج أصلاً ؟!
7-    وإذا سلمنا جدلاً أن هذا لم يكن تفسيراً للآية فأين تفسير الآية إذن؟
وهل تركها السلف بلا تفسير؟
8-   وإذا سلمنا أنها في الرد على الخوارج الذين أرادوا تكفير الحكمين؛ فهل ابن عباس يكفر الحكمين وعلياً ومعاوية-رضي الله عنهم-ولو كفراً دون كفر؟
يعني لسان حاله-أي ابن عباس-يقول للخوارج: لا تكفروهم كفراً أكبر بل كفروهم كفراً أصغر؟
9-    وهل عليٌ-رضي الله عنه-أرسله ليناظرهم ليعودوا عن ضلالاتهم في تكفير الصحابة ومنهم عليٌ أم أرسله ليكفره عندهم كفراً أصغر ؟؟ سبحان ربي!

قوله:
(فابن عباس رضي الله عنهما لم يسأل عمن بدل شرع الله، وحكم بغيره، ولا كان في زمانه من يفعل ذلك؛ حتى يسوغ الاحتجاج بكلامه) اهـ
التعليق:
1-  هل ابن عباس-رضي الله عنهما-لا يفسر الآية إلا إذا سئل عنها؟
2-  وهل هناك مانع إذا سألوه عن تفسير الآية في واقعة معينة أن يفسرها بلفظ جامع يشمل ما وقع من الجزئيات وما لم يقع بما يتناسب مع عموم الآية وهو الحبر البحر؟
3- وهب أنه فسرها هنا بما يتناسب مع الواقعة المعينة من باب التفسير بالمثال كما هو معروف عن السلف، فكيف يفسرها لتلاميذه بنفس التفسير وبعيداً عن الواقعة؟
فعن طاوس-رحمه الله-قال: قلت لابن عباس: من لم يحكم بما أنزل الله فهو كافر؟ قال: هو به كفر وليس كمن كفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر. ابن جرير الطبري 10/356
وعنه عن ابن عباس -رضي الله عنهما-أيضاً في قوله تعالى (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) قال: ليس بالكفر الذي يذهبون إليه.                                             ابن جرير الطبري 10/356
4-وهل فهمت أنت من ابن عباس ما لم يفهمه طاوس تلميذه وعطاء بن أبي رباح أيضاً فيفسرانها بنفس تفسيره ولا خوارج هناك!!
قال طاوس-رحمه الله-: ليس بكفر ينقل عن الملة الطبري6/166
وقال عطاء-رحمه الله-: كفر دون كفر. المرجع السابق.
وهذا فهم أئمة السنة من بعدهم وبعيداً عن الخوارج أيضاً:
قال إسماعيل بن سعيد سألت أحمد-ابن حنبل-(ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) قلت فما هذا الكفر؟
قال: كفر لا يخرج من الملة. اهـ [مسائل السجستاني[209]

قوله:
(وذكرت في ردي على الحجي؛ أن الخوارج فهموا من الآية ما لم يفهمه الصحابة منها؛ لذا كفروا علياً رضي الله عنه؛ لأنه -بزعمهم -لم يحكم بما أنزل الله في أمر التحكيم؛ فأخبرهم ابن عباس رضي الله عنهما؛ أن ما فهموه منها غير مراد) اهـ
التعليق:
1-     العطف بالفاء في قولك (فأخبرهم) تفريعاً على قولك " كفروا علياً " يعنى أن ابن عباس فسر لهم الآية هناك وهذا لم يقع قط.
2-    إذا كان ابن عباس -رضي الله عنهما-أخبرهم أن ما فهموه من الآية غير مراد وهو الكفر الأكبر فلا شك أنه أخبرهم بالمراد منها وهو الكفر الأصغر،
 فهل تجشم ابن عباس الذهاب للخوارج وبإذن علي -رضي الله عنهما-ليقرر لهم أن نوعَ كُفرِ عليٍّ من الأصغر لا من الأكبر!!
3-      ذكر روايات وألفاظ مناظرة ابن عباس -رضي الله عنهما-للخوارج وبيان أن آية (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) لا وجود لها في هذه المناظرة:
قال الحاكم في المستدرك:
حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، من أصل كتابه، ثنا أبو أمية محمد بن إبراهيم الطرسوسي، ثنا عمر بن يونس بن القاسم اليمامي، ثنا عكرمة بن عمار العجلي، ثنا أبو زميل سماك الحنفي، ثنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، قال: لما خرجت الحرورية اجتمعوا في دار، وهم ستة آلاف، أتيت علياً، فقلت: يا أمير المؤمنين، أبرد بالظهر لعلي آتي هؤلاء القوم فأكلمهم. قال: إني أخاف عليك. قلت: كلا. قال ابن عباس: فخرجت إليهم ولبست أحسن ما يكون من حلل اليمن، قال أبو زميل كان ابن عباس جميلاً جهيراً. قال ابن عباس: فأتيتهم، وهم مجتمعون في دارهم، قائلون فسلمت عليهم فقالوا: مرحبا بك يا ابن عباس فما هذه الحلة؟ قال: قلت: ما تعيبون علي، لقد رأيت على رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن ما يكون من الحلل ، ونزلت : قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قالوا : فما جاء بك ؟ قلت: أتيتكم من عند صحابة النبي صلى الله عليه وسلم من المهاجرين والأنصار، لأبلغكم ما يقولون المخبرون بما يقولون فعليهم نزل القرآن، وهم أعلم بالوحي منكم، وفيهم أنزل: وليس فيكم منهم أحد . فقال بعضهم: لا تخاصموا قريشا ، فإن الله يقول : بل هم قوم خصمون قال ابن عباس : وأتيت قوما لم أر قوما قط أشد اجتهادا منهم مسهمة وجوههم من السهر ، كأن أيديهم وركبهم تثنى عليهم ، فمضى من حضر ، فقال بعضهم : لنكلمنَّه ولننظرنَّ ما يقول . قلت : أخبروني ماذا نقمتم على ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وصهره والمهاجرين والأنصار ؟ قالوا : ثلاثا . قلت : ما هن ؟ قالوا : أما إحداهن فإنه حكم الرجال في أمر الله ، وقال الله تعالى : إن الحكم إلا لله وما للرجال وما للحكم ؟ فقلت : هذه واحدة . قالوا : وأما الأخرى فإنه قاتل ، ولم يسب ولم يغنم ، فلئن كان الذي قاتل كفارا لقد حل سبيهم وغنيمتهم ، ولئن كانوا مؤمنين ما حل قتالهم . قلت : هذه اثنتان ، فما الثالثة ؟ قال : إنه محا نفسه من أمير المؤمنين فهو أمير الكافرين . قلت : أعندكم سوى هذا ؟ قالوا : حسبنا هذا . فقلت لهم : أرأيتم إن قرأت عليكم من كتاب الله ومن سنة نبيه صلى الله عليه وسلم ما يرد به قولكم أترضون ؟ قالوا : نعم . فقلت : أما قولكم : حكم الرجال في أمر الله فأنا أقرأ عليكم ما قد رد حكمه إلى الرجال في ثمن ربع درهم في أرنب ، ونحوها من الصيد ، فقال : يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم إلى قوله يحكم به ذوا عدل منكم فنشدتكم الله أحكم الرجال في أرنب ونحوها من الصيد أفضل ، أم حكمهم في دمائهم وصلاح ذات بينهم ؟ ، وأن تعلموا أن الله لو شاء لحكم ولم يصير ذلك إلى الرجال ، وفي المرأة وزوجها قال الله عز وجل : وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما فجعل الله حكم الرجال سنة مأمونة ، أخرجت عن هذه ؟ قالوا : نعم ، قال : وأما قولكم : قاتل ولم يسب ولم يغنم ، أتسبون أمكم عائشة ثم يستحلون منها ما يستحل من غيرها ؟ فلئن فعلتم لقد كفرتم وهي أمكم ، ولئن قلتم : ليست أمنا لقد كفرتم فإن الله يقول : النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم فأنتم تدورون بين ضلالتين أيهما صرتم إليها ، صرتم إلى ضلالة فنظر بعضهم إلى بعض ، قلت : أخرجت من هذه ؟ قالوا : نعم ، قال : وأما قولكم محا اسمه من أمير المؤمنين ، فأنا آتيكم بمن ترضون ، وأريكم قد سمعتم أن النبي صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية كاتب سهيل بن عمرو وأبا سفيان بن حرب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمير المؤمنين : " اكتب يا علي : هذا ما اصطلح عليه محمد رسول الله " فقال المشركون : لا والله ما نعلم إنك رسول الله لو نعلم إنك رسول الله ما قاتلناك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اللهم إنك تعلم أني رسول الله ، اكتب يا علي : هذا ما اصطلح عليه محمد بن عبد الله " فوالله لرسول الله خير من علي ، وما أخرجه من النبوة حين محا نفسه ، قال عبد الله بن عباس : فرجع من القوم ألفان ، وقتل سائرهم على ضلالة " هذا حديث صحيح على شرط مسلم ، ولم يخرجاه "
المستدرك على الصحيحين للحاكم  - كتاب قتال أهل البغي وهو آخر الجهاد
حديث:‏2588‏
قال عبد الرزاق في المصنف:
 عن عكرمة بن عمار , قال : حدثنا أبو زميل الحنفي , قال : حدثنا عبد الله بن عباس رضي الله عنه , قال : لما اعتزلت الحرورية فكانوا في دار على حدتهم فقلت لعلي : يا أمير المؤمنين , أبرد عن الصلاة لعلي آتي هؤلاء القوم فأكلمهم , قال : إني أتخوفهم عليك قلت : كلا إن شاء الله تعالى , قال : فلبست أحسن ما أقدر عليه من هذه اليمانية , قال : ثم دخلت عليهم وهم قائلون في نحر الظهيرة , قال : فدخلت على قوم لم أر قوما قط أشد اجتهادا منهم , أيديهم كأنها ثفن الإبل , ووجوههم معلمة من آثار السجود , قال : فدخلت فقالوا : مرحبا بك يا ابن عباس ما جاء بك ؟ قلت : جئت أحدثكم عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم نزل الوحي , وهم أعلم بتأويله , فقال بعضهم : لا تحدثوه وقال بعضهم : والله لنحدثنه , قال : قلت : أخبروني ما تنقمون على ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وختنه وأول من آمن به وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم معه ؟ " قالوا : ننقم عليه ثلاثا , قال : قلت : وما هن ؟ قالوا : أولهن أنه حكم الرجال في دين الله وقد قال الله : إن الحكم إلا لله , قال : قلت : وماذا قالوا : وقاتل ولم يسب ولم يغنم لئن كانوا كفارا لقد حلت له أموالهم ولئن كانوا مؤمنين لقد حرمت عليه دماؤهم ؟ قال : قلت : وماذا قالوا : محا نفسه من أمير المؤمنين , فإن لم يكن أمير المؤمنين فهو أمير الكافرين . قال : قلت : أرأيتم إن قرأت عليكم من كتاب الله المحكم وحدثتكم من سنة نبيه صلى الله عليه وسلم ما لا تنكرون , أترجعون ؟ قالوا : نعم , قال : قلت : أما قولكم : حكم الرجال في دين الله فإن الله تعالى يقول : يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم إلى قوله : يحكم به ذوا عدل منكم وقال في المرأة وزوجها : وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها أنشدكم الله أحكم الرجال في حقن دمائهم وأنفسهم وإصلاح ذات بينهم أحق أم في أرنب ثمنها ربع درهم ؟ قالوا : اللهم بل في حقن دمائهم وإصلاح ذات بينهم , قال : أخرجت من هذه ؟ قالوا : اللهم نعم , قال : وأما قولكم : إنه قاتل ولم يسب ولم يغنم , أتسبون أمكم عائشة أم تستحلون منها ما تستحلون من غيرها , فقد كفرتم وإن زعمتم أنها ليست أم المؤمنين فقد كفرتم وخرجتم من الإسلام إن الله يقول : النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم فأنتم مترددون بين ضلالتين فاختاروا أيتهما شئتم , أخرجت من هذه ؟ قالوا : اللهم نعم , قال : وأما قولكم : محا نفسه من أمير المؤمنين , فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا قريشا يوم الحديبية على أن يكتب بينه وبينهم كتابا , فقال : " اكتب هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله " فقالوا : والله لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك ولكن اكتب : محمد بن عبد الله , فقال : " والله إني لرسول الله حقا وإن كذبتموني اكتب يا علي : محمد بن عبد الله " فرسول الله صلى الله عليه وسلم كان أفضل من علي رضي الله عنه , أخرجت من هذه ؟ قالوا : اللهم نعم , " فرجع منهم عشرون ألفا وبقي منهم أربعة آلاف فقتلوا "
مصنف عبد الرزاق الصنعاني  - كتاب اللقطة باب ما جاء في الحرورية - حديث:‏18008‏
قال البيهقي في السنن الكبرى:
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب من أصل كتابه , ثنا أبو أمية محمد بن إبراهيم الطرسوسي , ثنا عمر بن يونس بن القاسم بن معاوية اليمامي ، ثنا عكرمة بن عمار العجلي ، حدثني أبو زميل سماك الحنفي , ثنا عبد الله بن عباس ، قال : لما خرجت الحرورية اجتمعوا في دار , وهم ستة آلاف , أتيت عليا رضي الله عنه فقلت : يا أمير المؤمنين أبرد بالظهر لعلي آتي هؤلاء القوم فأكلمهم ، قال : إني أخاف عليك ، قال : قلت : كلا ، قال : فخرجت آتيهم , ولبست أحسن ما يكون من حلل اليمن , فأتيتهم وهم مجتمعون في دار , وهم قائلون , فسلمت عليهم فقالوا : مرحبا بك يا أبا عباس , فما هذه الحلة ؟ قال : قلت : ما تعيبون علي ؟ لقد رأيت على رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن ما يكون من الحلل , ونزلت قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق ، قالوا : فما جاء بك ؟ قلت : أتيتكم من عند صحابة النبي صلى الله عليه وسلم من المهاجرين والأنصار , لأبلغكم ما يقولون , وتخبرون بما تقولون , فعليهم نزل القرآن , وهم أعلم بالوحي منكم , وفيهم أنزل وليس فيكم منهم أحد ، فقال بعضهم : لا تخاصموا قريشا , فإن الله يقول : بل هم قوم خصمون ، قال ابن عباس : وأتيت قوما لم أر قوما قط أشد اجتهادا منهم , مسهمة وجوههم من السهر , كأن أيديهم وركبهم ثفن , عليهم قمص مرحضة ، قال بعضهم : لنكلمنه ولننظرن ما يقول , قلت : أخبروني ماذا نقمتم على ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وصهره والمهاجرين والأنصار ؟ قالوا : ثلاثا , قلت : ما هن ؟ قالوا : أما إحداهن , فإنه حكم الرجال في أمر الله ، قال الله عز وجل : إن الحكم إلا لله , وما للرجال وما للحكم ؟ فقلت : هذه واحدة ، قالوا : وأما الأخرى , فإنه قاتل ولم يسب ولم يغنم , فلئن كان الذين قاتل كفارا لقد حل سبيهم وغنيمتهم , وإن كانوا مؤمنين ما حل قتالهم , قلت : هذه ثنتان , فما الثالثة ؟ قالوا : إنه محا اسمه من أمير المؤمنين , فهو أمير الكافرين , قلت : أعندكم سوى هذا ؟ قالوا : حسبنا هذا , فقلت لهم : أرأيتم إن قرأت عليكم من كتاب الله ومن سنة نبيه صلى الله عليه وسلم ما يرد به قولكم أترضون ؟ قالوا : نعم , فقلت لهم : أما قولكم : حكم الرجال في أمر الله , فأنا أقرأ عليكم ما قد رد حكمه إلى الرجال في ثمن ربع درهم في أرنب ونحوها من الصيد ، فقال : يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم إلى قوله : يحكم به ذوا عدل منكم , فنشدتكم بالله أحكم الرجال في أرنب ونحوها من الصيد أفضل أم حكمهم في دمائهم وإصلاح ذات بينهم , وأن تعلموا أن الله لو شاء لحكم ولم يصير ذلك إلى الرجال , وفي المرأة وزوجها قال الله عز وجل : وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها , إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما , فجعل الله حكم الرجال سنة ماضية , أخرجت من هذه ؟ قالوا : نعم . قال : وأما قولكم : قاتل فلم يسب ولم يغنم , أتسبون أمكم عائشة , ثم تستحلون منها ما يستحل من غيرها ؟ فلئن فعلتم لقد كفرتم , وهي أمكم , ولئن قلتم : ليست بأمنا لقد كفرتم , فإن الله تعالى يقول : النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم , وأزواجه أمهاتهم , فأنتم تدورون بين ضلالتين , أيهما صرتم إليها صرتم إلى ضلالة , فنظر بعضهم إلى بعض , قلت : أخرجت من هذه ؟ قالوا : نعم . قال : وأما قولكم : محا نفسه من أمير المؤمنين , فأنا آتيكم بمن ترضون , أريكم قد سمعتم أن النبي صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية كاتب المشركين سهيل بن عمرو وأبا سفيان بن حرب ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمير المؤمنين : " اكتب يا علي : هذا ما اصطلح عليه محمد رسول الله " ، فقال المشركون : لا والله ما نعلم أنك رسول الله , لو نعلم أنك رسول الله ما قاتلناك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اللهم إنك تعلم أني رسولك , اكتب يا علي : هذا ما اصطلح عليه محمد بن عبد الله " , فوالله لرسول الله صلى الله عليه وسلم خير من علي , وما أخرجه من النبوة حين محا نفسه قال عبد الله بن عباس : فرجع من القوم ألفان , وقتل سائرهم على ضلالة"
السنن الكبرى للبيهقي  - كتاب القسامة كتاب قتال أهل البغي -  باب لا يبدأ الخوارج بالقتال حتى يسألوا ما نقموا  حديث:‏15572‏
قال الطبراني في المعجم الكبير:
حدثنا إسحاق بن إبراهيم الدبري ، عن عبد الرزاق ، ح وحدثنا علي بن عبد العزيز ، ثنا أبو حذيفة موسى بن مسعود ، كلاهما عن عكرمة بن عمار ، ثنا أبو زميل الحنفي ، ثنا عبد الله بن عباس قال : لما اعتزلت حروراء ، وكانوا في دار على حدتهم ، قلت لعلي : يا أمير المؤمنين ، أبرد عن الصلاة ؛ لعلي آتي هؤلاء القوم فأكلمهم ، قال : فإني أتخوفهم عليك ، قال : قلت : كلا إن شاء الله ، قال : فلبست أحسن ما أقدر عليه من هذه اليمانية ، ثم دخلت عليهم وهم قائلون في نحر الظهيرة ، فدخلت على قوم لم أر قوما قط أشد اجتهادا منهم ، أيديهم كأنها ثفن الإبل ، ووجوههم معلبة من آثار السجود ، قال : فدخلت ، فقالوا : مرحبا بك يا ابن عباس ، ما جاء بك ؟ قال : جئت أحدثكم عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، نزل الوحي وهم أعلم بتأويله ، فقال بعضهم : لا تحدثوه ، وقال بعضهم : لنحدثنه ، قال : قلت : أخبروني ما تنقمون على ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وختنه ، وأول من آمن به وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم معه ؟ قالوا : ننقم عليه ثلاثا ، قلت : ما هن ؟ قالوا : أولهن أنه حكم الرجال في دين الله ، وقد قال الله إن الحكم إلا لله ، قال : قلت : وماذا ؟ قالوا : وقاتل ولم يسب ولم يغنم ، لئن كانوا كفارا لقد حلت له أموالهم ، ولئن كانوا مؤمنين لقد حرمت عليه دماؤهم ، قال : قلت : وماذا ؟ قالوا : ومحا نفسه من أمير المؤمنين ، فإن لم يكن أمير المؤمنين فهو أمير الكافرين ، قال : قلت : أرأيتم إن قرأت عليكم من كتاب الله المحكم ، وحدثتكم من سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم ما لا تنكرون ، أترجعون ؟ قالوا : نعم ، قال : قلت : أما قولكم : إنه حكم الرجال في دين الله ، فإنه يقول يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم إلى قوله يحكم به ذوا عدل منكم ، وقال في المرأة وزوجها وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها ، أنشدكم الله أحكم الرجال في حقن دمائهم وأنفسهم وصلاح ذات بينهم أحق أم في أرنب ثمنها ربع درهم ؟ قالوا : اللهم في حقن دمائهم وصلاح ذات بينهم ، قال : خرجت من هذه ؟ قالوا : اللهم نعم . وأما قولكم : إنه قاتل ولم يسب ولم يغنم ، أتسبون أمكم ، أم تستحلون منها ما تستحلون من غيرها ؟ فقد كفرتم ، وإن زعمتم أنها ليست بأمكم فقد كفرتم وخرجتم من الإسلام ، إن الله عز وجل يقول النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم ، فأنتم تترددون بين ضلالتين ، فاختاروا أيهما شئتم ، أخرجت من هذه ؟ قالوا : اللهم نعم ، قال : وأما قولكم : إنه محا نفسه من أمير المؤمنين ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا قريشا يوم الحديبية على أن يكتب بينه وبينهم كتابا ، فقال : " اكتب : هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله " ، فقالوا : والله لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت ، ولا قاتلناك ، ولكن اكتب : محمد بن عبد الله ، فقال : " والله إني لرسول الله وإن كذبتموني ، اكتب يا علي محمد بن عبد الله " ، فرسول الله صلى الله عليه وسلم كان أفضل من علي ، أخرجت من هذه ؟ قالوا : اللهم نعم . فرجع منهم عشرون ألفا ، وبقي منهم أربعة آلاف ، فقتلوا . المعجم الكبير للطبراني  - من اسمه عبد الله ومن مناقب عبد الله بن عباس وأخباره - حديث:‏10409‏
قال أبو عبيد القاسم بن سلام في كتابه الأموال:
باب الصلح والمهادنة تكون بين المسلمين والمشركين إلى مدة - حديث:‏392‏
 قال : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، وعمر بن يونس اليمامي ، عن عكرمة بن عمار ، قال : حدثني أبو زميل ، قال : حدثني ابن عباس ، قال : لما خرجت الحرورية أتاهم ابن عباس ليحاجهم ، فكان فيما احتجوا به أن قالوا : إن صاحبك محا نفسه من أمير المؤمنين فقال ابن عباس : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية صالح المشركين ، فقال لعلي اكتب يا علي : هذا ما صالح عليه محمد رسول الله فقالوا : لا نعلم أنك رسول الله ولو نعلم أنك رسول الله ما منعناك - أو قال : ما قاتلناك - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : امح يا علي ، اللهم إنك تعلم أني رسولك اكتب هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله فرسول الله صلى الله عليه وسلم خير من علي ، أخرجت من هذه ؟ قالوا : نعم . ثم ذكر حديثا طويلا.[الأموال للقاسم بن سلام  - كتاب افتتاح الأرضين صلحا وأحكامها]

قال أبو نعيم في الحلية :
حدثنا سليمان بن أحمد ، ثنا علي بن عبد العزيز ، ثنا أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي . وحدثنا سليمان ، ثنا إسحاق ، ثنا عبد الرزاق ، قال : ثنا عكرمة بن عمار ، ثنا أبو زميل الحنفي ، عن عبد الله بن عباس ، قال : لما اعتزلت الحرورية قلت لعلي : يا أمير المؤمنين ، أبرد عني الصلاة لعلي آتي هؤلاء القوم فأكلمهم ، قال : إني أتخوفهم عليك ، قال : قلت : كلا إن شاء الله ، فلبست أحسن ما أقدر عليه من هذه اليمانية ، ثم دخلت عليهم وهم قائلون في نحر الظهيرة ، فدخلت على قوم فلم أر قوما قط أشد اجتهادا منهم ، أيديهم كأنها ثفن إبل ، ووجوههم مقلبة من آثار السجود ، قال : فدخلت فقالوا : مرحبا بك يا ابن عباس ، ما جاء بك ؟ قال : جئت أحدثكم ، على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل الوحي ، وهم أعلم بتأويله ، فقال بعضهم : لا تحدثوه ، وقال بعضهم : لنحدثنه ، قال : قلت : أخبروني ما تنقمون على ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وختنه وأول من آمن به ، وأصحاب رسول الله معه ؟ قالوا : ننقم عليه ثلاثا ، قلت : وما هن ؟ قالوا : أولاهن أنه حكم الرجال في دين الله وقد قال الله عز وجل : إن الحكم إلا لله ، قال : قلت : وماذا ؟ قالوا : قاتل ولم يسب ولم يغنم ، لئن كانوا كفارا لقد حلت له أموالهم ، وإن كانوا مؤمنين لقد حرمت عليه دماؤهم ، قال : قلت : وماذا ؟ قالوا : ومحا نفسه عن أمير المؤمنين ، فإن لم يكن أمير المؤمنين فهو أمير الكافرين ، قال : قلت : أرأيتم إن قرأت عليكم من كتاب الله المحكم ، وحدثتكم من سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم ، ما لا تنكرون أترجعون ؟ قالوا : نعم ، قال : قلت : أما قولكم : إنه حكم الرجال في دين الله ، فإنه يقول : يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ، ومن قتله منكم متعمدا فجزاء إلى قوله : يحكم به ذوا عدل منكم ، وقال في المرأة وزوجها : وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها ، أنشدكم الله أفحكم الرجال في حقن دمائهم وأنفسهم وصلاح ذات بينهم أحق أم في أرنب ثمنها ربع درهم ؟ فقالوا : اللهم في حقن دمائهم ، وصلاح ذات بينهم ، قال : أخرجت من هذه ؟ قالوا : اللهم نعم . قال : وأما قولكم : إنه قاتل ولم يسب ولم يغنم ، أتسبون أمكم ، ثم تستحلون منها ما تستحلون من غيرها ، فقد كفرتم ، وإن زعمتم أنها ليست بأمكم فقد كفرتم وخرجتم من الإسلام ، إن الله عز وجل يقول : النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم ، فأنتم تترددون بين ضلالتين فاختاروا أيتهما شئتم ، أخرجت من هذه ؟ قالوا : اللهم نعم . قال : وأما قولكم محا نفسه من أمير المؤمنين ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا قريشا يوم الحديبية على أن يكتب بينه وبينهم كتابا ، فقال : " اكتب : هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله " ، فقالوا : والله لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت ، ولا قاتلناك ، ولكن اكتب : محمد بن عبد الله ، فقال : " والله إني لرسول الله وإن كذبتموني ، اكتب يا علي : محمد بن عبد الله " ، فرسول الله كان أفضل من علي ، أخرجت من هذه ؟ قالوا : اللهم نعم . فرجع منهم عشرون ألفا ، وبقي أربعة آلاف ، فقتلوا.
حلية الأولياء  - عبد الله بن العباس حديث:‏1127‏
 قال أبو عمر ابن عبد البر في جامع بيان العلم:
 حدثنا إبراهيم بن شاكر ، ثنا عبد الله بن محمد بن عثمان ، ثنا سعيد بن حمير وسعيد بن عثمان ، قالا : نا أحمد بن عبد الله بن صالح ، ثنا النضر بن محمد ، ثنا عكرمة بن عمار ، قال : حدثني أبو زميل ، قال : حدثني ابن عباس رضي الله عنه ، قال : " لما اجتمعت الحرورية يخرجون على علي رضي الله عنه قال : جعل يأتيه الرجل يقول : يا أمير المؤمنين القوم خارجون عليك ، قال : دعهم حتى يخرجوا ، فلما كان ذات يوم قلت : يا أمير المؤمنين ، أبرد بالصلاة فلا تفتني حتى آتي القوم قال : فدخلت عليهم وهم قائلون فإذا هم مسهمة وجوههم من السهر ، قد أثر السجود في جباههم كأن أيديهم ثفن الإبل عليهم قمص مرحضة فقالوا : ما جاء بك يا ابن عباس ؟ وما هذه الحلة عليك ؟ قال : قلت : ما تعيبون مني فلقد رأيت على رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن ما يكون من ثياب اليمنية ، قال : ثم قرأت هذه الآية قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق فقالوا : ما جاء بك ؟ قلت : جئتكم من عند أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس فيكم منهم أحد ، ومن عند ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليهم نزل القرآن ، وهم أعلم بتأويله جئت لأبلغكم عنهم وأبلغهم عنكم ، فقال بعضهم : لا تخاصموا قريشا فإن الله تعالى يقول : بل هم قوم خصمون فقال بعضهم : بلى فلنكلمنه قال : فكلمني منهم رجلان أو ثلاثة قال : قلت : ماذا نقمتم عليه ؟ قالوا : ثلاثا فقلت : ما هن ؟ قالوا : حكم الرجال في أمر الله وقال الله عز وجل : إن الحكم إلا لله قال : قلت : هذه واحدة وماذا أيضا ؟ قال : فإنه قاتل فلم يسب ولم يغنم ، فلئن كانوا مؤمنين ما حل قتالهم ولئن كانوا كافرين لقد حل قتالهم وسباهم ، قال : قلت : وماذا أيضا ؟ قالوا : ومحا نفسه من أمير المؤمنين ، فإن لم يكن أمير المؤمنين فهو أمير الكافرين ، قال : قلت : أرأيتم إن أتيتكم من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ينقض قولكم هذا ، أترجعون ؟ قالوا : وما لنا لا نرجع ؟ قلت : أما قولكم : حكم الرجال في أمر الله فإن الله عز وجل قال في كتابه يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم وقال في المرأة وزوجها وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها فصير الله تعالى ذلك إلى حكم الرجال فنشدتكم الله أتعلمون حكم الرجال في دماء المسلمين وفي إصلاح ذات بينهم أفضل أو في دم أرنب ثمن ربع درهم ، وفي بضع امرأة ؟ قالوا : بلى هذا أفضل ، قال : أخرجت من هذه ؟ قالوا : نعم قال : وأما قولكم : قاتل فلم يسب ولم يغنم ، أفتسبون أمكم عائشة ؟ رضي الله عنها ، فإن قلتم : نسبيها فنستحل منها ما نستحل من غيرها فقد كفرتم وإن قلتم : ليست بأمنا فقد كفرتم فأنتم ترددون بين ضلالتين ، أخرجت من هذه ؟ قالوا : بلى ، قال : وأما قولكم : محا نفسه من أمير المؤمنين فأنا آتيكم بمن ترضون ، إن نبي الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية حين صالح أبا سفيان وسهيل بن عمرو قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اكتب يا علي : هذا ما صالح عليه محمد رسول الله . . . . " فقال أبو سفيان وسهيل بن عمرو : ما نعلم أنك رسول الله ، ولو نعلم أنك رسول الله ما قاتلناك ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اللهم إنك تعلم أني رسولك ، امح يا علي واكتب : هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله وأبو سفيان وسهيل بن عمرو " قال : فرجع منهم ألفان وبقي بقيتهم فخرجوا فقتلوا أجمعين.
جامع بيان العلم  - باب إتيان المناظرة والمجادلة وإقامة الحجة حديث:‏1128‏
انتهى التخريج بواسطة برنامج موسوعة الجامع للحديث النبوي الإلكترونية.
وبعد؛
1-فهل رأيت في هذه المناظرة ذكراً لآية (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون)؟
2-وهل رأيت شيئاً من مزاعم الرجل وخيالاته في أن ابن عباس فسر لهم الآية؟
3-ولا يزال الرجل سادراً في غيه معانداً مكابراً يأبى الرجوع إلى الحق والاعتراف بأن قول ابن عباس (كفر دون كفر) إنما هو تفسير مجرد للآية الكريمة؟
4-ولا علاقة لهذا التفسير بمناظرته -رضي الله عنه-للخوارج.
5-وأن الآية التي احتج بها الخوارج يومها هي قوله تعالى: (إن الحكم إلا لله) ومازالت شعارهم إلى اليوم وقد رد عليهم عليُّ -رضي الله عنه-استدلالاهم بها قائلاً: كلمة حق أريد بها باطل.
 فهل من مدكر؟
فرحم الله من نهض بجَناح، أو استسلم فأراح.
قوله:
(فمن الجهل والضلال إذاً؛ أن يُجعل كلامه رضي الله عنهما؛ قاعدة عامة في كل من يحكم بغير ما أنزل الله.) اهـ
التعليق:
 1-من ذا الذي جعل كلامه -رضي الله عنهما – قاعدة عامة في كل من يحكم؟ بغير ما أنزل الله؟
فالحكم بغير ما أنزل الله يشمل النوعين الكفر الأكبر والكفر الأصغر؛
 فالأول عند الجحود أو الاستحلال،
 والثاني عند عدم ذلك، وهذا قول أهل السنة قديماً وحديثاً.
 فالقاعدة العامة التي لم تراع التفصيل؟ لا وجود لها! وإنما هي دعوى عريضة تضاف إلى أخواتها.
2-أن الآية لم تذكر حُكْمَ [مَن حَكَمَ بغير ما أنزل الله] وإنما ذكرت حكم (من لم يحكم بما أنزل الله) وبينهما فرقٌ عظيم ذكرته في النقض فراجعه إن شئت.

قوله:
(وقال الذهبي في تاريخ الإسلام (2/333): "ثارت الخوارج وخرجوا على علي رضي الله عنه، وأنكروا عليه كونه حكم الحكمين، وقالوا: حكمت في دين الله الرجال، والله يقول: }إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ{، وكفروه، واحتجوا بقوله: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هم الكافرون}؛ فناظرهم، ثم أرسل إليهم عبد الله بن عباس، فبين لهم فساد شبههم، وفسر لهم، واحتج بقوله تعالى: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ}، وبقوله {فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا}اهـ
فاعترض غير واحد؛ بأن هذا القول لم أسبق إليه) اهـ.

التعليق:

1-الذهبي-رحمه الله -من أهل البدع عندك فكيف تحتج بكلامه؟
2-فإن قلتَ: [إنه عندكم إمام فأنا ألزمكم به من باب الإلزام فقط].
 قلنا: لا يلزمنا كلامٌ لا دليل عليه-وإن قال به الذهبي نفسه أو غيره. -
3-كلام الذهبي -رحمه الله-هنا كلام عام لا يقصد حكاية التفاصيل الدقيقة للمناظرة كما جرت وإنما قصد الذي وقع في الجملة، فابن عباس ناظرهم... نعم،
 وفسر لهم... نعم،
 ورد شبهاتهم... نعم،
 لكن على التفاصيل التي ذكرتها الروايات السابقة بأسانيدها والتي ليس فيها ذكر للآية في المناظرة أصلاً.
1-  العجب منك وأنت تدعي التمسك بأهداب مذهب السلف ومروياتهم حتى الضعيفة وتثبت بها مسائل في المعتقد بل وصفاتٍ لله عز وجل وتدعي طرح كل ما خالف ذلك – في ظنك-ثم ها أنت اليوم تطَّرِح تفسير السلف جملة وتتمسك بإطلاقات من كلام الذهبي -الذي تبدعه-!
فإن قلت: من باب الإلزام،
قلنا: بقي كلامك عارياً من الدليل،
 ولا يلزمنا كلامٌ لا دليل عليه، فلا أنت ألزمت خصمك ولا أنت أقمت الدليل على دعواك! 
2-     سلمنا جدلاً أنه-رضي الله عنه-فسرها لهم ثَمَّةَ؛ فهذا أيضاً لا ينفعك؛ لأنك تقْصر التفسير على صورة تبرئة الصحابة من تكفير الخوارج لهم، وتنكر تفسيره لها بعد ذلك وبنفس الألفاظ وفي غير الخوارج! وهذا تعنت مكشوف.
قوله:
(وما كان ينبغي لهم الاعتراض بمثل هذا؛ فما قلته لا علاقة له بما ذكروه من قريب أو بعيد؛ لأنها ليست من أصول الدين؛ بل محل اجتهاد، ونظر.) اهـ
التعليق:
1- هل الكذب، والافتراع من مجرد الذهن يدخل في نطاق الاجتهاد والنظر السائغ الذي لا يوجب مجرد الاعتراض؟
(فأنت إلى الآن تدعي دعوى بلا برهان أن ابن عباس قال ذلك للخوارج بقصد تبرئة الصحابة من تكفير الخوارج فقط).
2-  سلمنا لك-تنزلاً-بأن المسألة محل اجتهاد ونظر، فيلزمك ألا تبدع من خالفك فيها وترميهم بالإرجاء! لأنه-أي المخالف لك-إذا عمم تفسير ابن عباس بما يشمل القوانين الوضعية على التفصيل المعروف فقد بنى قوله على اجتهاد سائغ ونظر معتبر وأن قوله له أصل يرجع إليه! وإلا وقعت في التناقض والتخليط.
قوله:
ومع هذا فقد وجدت من سبقني إلى ذلك، وهو الألباني -إمام القوم -فهل سيطالبه المتهوكة بما طالبوني به؛ أم سيحتفون بكلامه أيما احتفاء؟
[قال الألباني]: فكأنه [يعني ابن عباس] طرق سمعه يومئذ؛ ما نسمعه اليوم تماماً من أن هناك أناساً يفهمون هذه الآية فهماً سطحياً من غير تفصيل؛ فقال رضي الله عنه: (ليس الكفر الذي تذهبون إليه)، و: (إنه ليس كفراً ينقل عن الملة) و: (هو كفر دون كفر). ولعله يعني بذلك: الخوارج الذين خرجوا على أمير المؤمنين علي-رضي الله عنه-، ثم كان من عواقب ذلك؛ أنهم سفكوا دماء المؤمنين، وفعلوا فيهم ما لم يفعلوا بالمشركين؛ فقال: ليس الأمر كما قالوا، أو كما ظنوا، وإنما هو كفر دون كفر". اهـ
التعليق:

1-أنت تدعى أن ابن عباس فسرها بذلك الخوارج الذين كفروا علياً وأصحابه-يعني فسرها تفسيراً خاصاً وليس تفسيراً عاماً-.
والألباني رحمه الله: قال: (ولعله يعنى بذلك الخوارج).
فالألباني-رحمه الله-ذكر ذلك على سبيل الاحتمال، وأنت جزمت.
 والألباني-رحمه الله-لم يمنع أن هذا تفسيراً لها وأنت منعت أن يكون ابن عباس قصد التفسير أصلاً، حيث قلت: "وأن قوله رضي الله عنهما: (ليس بالكفر الذي تذهبون إليه)، أو (كفر دون كفر) ليس تفسيراً لقوله تعالى: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ" اهـ.
والألباني –رحمه الله-لم يحصر هذا التفسير بهذه الصورة ولم يقصره عليه وأنت حصرت وقصرت.
ففي أي شيء سبقك الألباني-رحمه الله-؟
2-الخلاف بيننا أننا نقول بهذا التفسير في شأن من كفرهم الخوارج كالصحابة وغيرهم ممن يشملهم الحكم فالعبرة بعموم اللفظ وليس بخصوص السبب وأنت تريد أن تنفى عن كلام ابن عباس صفة التفسير للآية لتصفو لك بلا تفسير فتنزلها أنت على القوانين الوضعية مع خلط للنقولات السلفية بأفهام الحرورية.
3-ثم لماذا ترمي مخالفك في هذه المسألة بالتهوك وهي مسألة "محل اجتهاد، ونظر"!
4-ألم يظهر للقارئ النبيه إفلاس وعجز هذا الرجل عن إثبات ما طالبته به وأمهلته عشر سنين-كما في رسالة النقض-ولقد بحث حتى أعيا فما وجد أثراً ولا ألفى خبراً إلا كلاماً مرتجلاً للذهبي، وفتوى مفرغة من شريط للألباني ثم راح كعادته السيئة وحتى لا يقال له لماذا تستدل بكلام من تبدعه فسبق بالملام، وتذرع بالإلزام، قائلاً: "ومع هذا فقد وجدت من سبقني إلى ذلك، وهو الألباني -إمام القوم -فهل سيطالبه المتهوكة بما طالبوني به؛ أم سيحتفون بكلامه أيما احتفاء؟"
فلماذا تهرب من المطالبة؟
ومع ذلك فالمطالبة مستمرة، وحيدتك عن الجواب لا تغني من الحق شيئاً،
يا لك من مكابر!  
4-ويبقى سؤالٌ حائرٌ بائرٌ لا نجد له-عندك-جواباً:
هل تكفير من حكَّم القوانين الوضعية من غير استحلال-كفراً أكبر مخرجاً من ملة الإسلام-يؤخذ من هذه الآية الكريمة (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون)؟
ولا تنسَ أنك لا تنكر قول ابن عباس فيها (كفر دون كفر) ولكنك خصصت هذا بالرد على الخوارج الذين يكفرون الصحابة-فحسب-!
أقول:
فإذا أدخل حبر الأمة وترجمان القرآن-رضي الله عنه-الكفرَ الأصغر فيما اشتملت عليه الآية، إذن فهي محتملة له شاملة له بوجهٍ ما!
 وتذكر أيضاً أنك لا تنكر التفصيل واشتراط الاستحلال في القضية المعينة وترى أن الآية تشمل ذلك وتحتوي عليه!
فبيِّن لنا-الآن-كيف تستنبط من نفس الآية حكم من جعل القضية المعينة تشريعاً عاماً، وأثاب وعاقب عليها وألزم الناس بها؟
 ما الذي نقله من الكفر الأصغر إلى الأكبر؟
وما وجه ذلك من الآية؟
قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين!
فإن قلت:
 لأنه لما ألزم الناس بهذا التشريع -الذي كان في أصله قضية معينة غير مكفرة بغير استحلال-لمَّا ألزم الناس بذلك وحملهم على حكمه بالجند والشرط دل ذلك على أنه مستحل ولابد.
قلنا:
 هذا تسليم منك بأن الآية ليس فيها مستند لقولك أصلاً، وإنما صرت تكفر بالقرائن الخارجية لتستدل على الاستحلال الباطن وهذا غاية الإفلاس.
والله أعلم.
                                           قوله:
[الثانية: القول بأن الحكم بغير ما أنزل الله ذنب، وأهل السنة لا يكفرون بالذنوب؛ ليس على إطلاقه؛ لأن المراد بالذنب هنا؛ هو الكبائر التي لا تبلغ حد الشرك]
التعليق:
1-      هذا كلام مستقيم لا غبار عليه ولا اعتراض لنا عليه.
2-     مادامت المعصية لم تبلغ حد الشرك فأهل السنة لا يكفرون بها-وإن عظمت-إلا إذا استحلها.
3-     وهذا ما عناه-وإن لم تفهم ذلك-ابن عبد البر–رحمه الله-بقوله: (اتفق أهل السنة والجماعة، وهم أهل الفقه والأثر؛ على أن أحداً لا يخرجه ذنبه -وإن عَظُمَ -من الإسلام).
4-     وهذا معنى ما ورد في الحديث القدسي:
-عن أنس بن مالك، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " " قال الله تبارك وتعالى: ...يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك، ولا أبالي، يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة. رواه الترمذي.
 أفليست الذنوب التي بلغت عَنان السماء وقُراب الأرض عظيمة؟
فالذنب يعظم كمَّاً كما يعظم كيفاً، وكل ذلك لا يخرجه عن كونه ذنباً غيرَ مكفر عند الإطلاق،
5- وأما تسمية الشرك ذنباً فقد ورد أيضاً:
 -عن عبد الله بن مسعود-رضي الله عنه-قال: سألت النبي -صلى الله عليه وسلم-: " أي الذنب أعظم عند الله؟ قال: " أن تجعل لله نداً وهو خلقك..." رواه البخاري.
لكن الذي لا يُفْهَم غيرُه عند إطلاق أهل العلم عدم التكفير بالذنوب: أنهم يقصدون بها ما دون الذنوب الكفرية فمن فهم من كلامهم غيرَ ذلك فقد ضل فهمه ومن حَمَل كلامَهم على غير ذلك فقد تكلف وتعنت وتنطع. والله أعلم.
6-وأما تخطئة ابن عبد البر-رحمه الله-لمجرد أن احتج به من أسميتهم بالمرجئة المعاصرين –الذين فهموا من الآية ما فهمه السلف-حيث قلتَ:
 (لا سيما وقد احتج به المرجئة المعاصرون الذين تفرغوا للدفاع عن الطواغيت.)
فخطِّئ ابن عباس-رضي الله عنه-أيضاً، لأن هؤلاء احتجوا بتفسيره للآية:(كفر دون كفر) أكثر مما احتجوا بكلام أبي عمر-رحمه الله-!
لكنك كثيراً ما تنسى-مذهبك في حمل المجمل على المفصل-أو تتناساه!
7-قولك: (القول بأن الحكم بغير ما أنزل الله ذنب، وأهل السنة لا يكفرون بالذنوب؛ ليس على إطلاقه) اهـ.
جوابه:
 نعم ليس على إطلاقه عندنا ولا عندك،
 فنحن قيدنا هذا الإطلاق بـ (غير الجحود والاستحلال) في جميع صور الحكم بغير ما أنزل الله ما لم تبلغ حد الشرك فوافقنا السلف،
وأنت قيدت الإطلاق أيضاً؛ لكن في (غير التشريع العام والقانون الوضعي) فوافقت سيد قطب وإخوانه وخالفت السلف،
 والأرواح جنود مجندة!
8-بقي النظر في القضية الكبرى ألا وهي: هل الأصل في الحكم بغير ما أنزل الله الكفر الأكبر أم الأصغر؟
وهذا ما تناولته في نقضي على رسالتك المسماة تحكيم القوانين كفر بالله العظيم. فراجعه للأهمية. والله أعلم.


                                      قولك:
[الثالثة: أهل السنة إنما ذكروا الاستحلال؛ للرد على الخوارج الذين يكفرون بالكبيرة؛ لا لكون المعاصي التي ذكر الله ورسوله؛ أنها كفر أكبر يناقض أصل الإيمان؛ لا يكفر صاحبها إلا إذا استحل؛ فهذا قول باطل؛ بل يكفر بمجرد وقوعه فيها] اهـ
التعليق:
1- كلامٌ حقٌ وصوابٌ لا اعتراض لنا عليه ولا مناص من قبوله.
2- كل معصية ذكر اللهُ ورسولُه-صلى الله عليه وسلم-أنها كفرٌ أكبرُ يناقض أصل الإيمان فلا يشترط فيها الاستحلال بل هي كفر أكبر كما قال الله ورسوله-صلى الله عليه وسلم-.
 فمن ذا الذي يأتي إلى معصية حكم فيها الله ورسوله أنها كفر أكبر فيتوقف فيها ويشترط الاستحلال-اللهم إلا أن يكون مرجئاَ-؟
 سبحانك... سبحانك.
3- هل قال الله في كتابه أو رسوله-صلى الله عليه وسلم-في سنته أن الحكم بغير ما أنزل الله كفر أكبر يناقض أصل الإيمان؟ أين هذا؟
4- هب أن الله تعالى أو رسوله -صلى الله عليه وسلم-حكما في الحكم بغير ما أنزل الله بالكفر الأكبر الذي يناقض أصل الإيمان فكيف تتجرأ فتشترط الاستحلال في القضية المعينة وهي من الحكم بغير ما أنزل الله؟!
5-  هل قال الله في كتابه أو رسوله-صلى الله عليه وسلم-في سنته أن من حكَّم القوانين الوضعية أو شرع تشريعاً عاماً أنه كَفَرَ الكفر الأكبر الذي يناقض أصل الإيمان؟ أم عمَّ ولم يخص؟
 وما الذي تفيده (مَن) و(ما) عندك أيها الأصولي؟
6- لماذا لا تستمسك بغرز السلف في تفسير الآية فتريح وتستريح؟
7- إذا كانت هذه الآية عندك على التفصيل فبأي دليل عممت حكم التشريع العام والقانون الوضعي؟
8- أما استدلالك بقول شيخ الإسلام-رحمه الله-:
 (وكذلك يكفر بعدم اعتقاد وجوب الواجبات الظاهرة المتواترة، وعدم تحريم الحرمات الظاهرة المتواترة) اهـ
فجهلٌ منك بمعنى كلامه-رحمه الله-فهل مَن ترَكَ واجباً يكفر بمجرد تركه؟
 وهل من فعل محرماً يكفر بمجرد فعله؟
 هل يَفهم من له أدنى مُسكةٍ من عقل من كلام شيخ الإسلام ذلك؟
 هل عَمِيت عن كلمة (بعدم اعتقاد) وكلمة (عدم تحريمه) من كلامه-رحمه الله-؟
 وهل الاعتقاد عندك من أفعال الجوارح؟
 إني لأستحيي أن أرد على مثل هذا الهذيان!
9- هب أن الأمر كما سولت لك نفسك ووسوس لك شيطانك؛ فلماذا خصصت الحكام، والقانون الوضعي، والتشريع العام، وكلام الشيخ عام؟ أليس الخوارج القدامى أصرح منك وأضبط في مذهبهم وأطرد لقواعدهم؟
10-   سيأتيك التفريق بين التحريم اللغوي والتحريم الشرعي فلا تعجل.
11-   هل ترتضي فهم شيخ الإسلام-رحمه الله-الذي دلست كلامه وأوهمت أنه يؤيد مذهبك الخارجي:
قال ابن تيمية-رحمه الله-: (والإنسان متى حلل الحرام المجمع عليه أو حرم الحلال المجمع عليه أو بدل الدين المجمع عليه كان كافراً مرتداً باتفاق الفقهاء وفي مثل هذا نزل قوله-على أحد القولين-(ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) أي المستحل للحكم بغير ما أنزل الله) اهـ مجموع الفتاوى [3/267-268]
فها هو ذا شيخ الإسلام-رحمه الله-يشترط الاستحلال فما أنت قائل يا مسكين؟ 
12-   فإن قلت ابن تيمية(!) إنما قصد القضية المعينة.
 قلنا: تَحَكُّمٌ بغير دليل.
13-   وإن قلت: ابن تيمية(!) كفَّر التتار بتحكيم الياسق فنجمع بين كلامه.
قلنا: ذكرنا مناط تكفير شيخ الإسلام-رحمه الله-للتتار من صريح لفظه ومنطوق كلامه فلا تلعب بمن يقرأ لك من النوكى.
14-    ومن جملة التلبيس والإيهام المذموم قولك:
( فكلامنا في المعاصي التي هي كفر بذاتها؛ كسب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وعبادة القبور، ومظاهرة الكفار على المسلمين، والسجود للصنم، وتنحية الشريعة وتحكيم القوانين، وغيرها من الأقوال والأعمال الكفرية؛ لكون الكفر تحقق بمجرد وقوعها؛ جحد أو لم يجحد؛ استحل أو لم يستحل.)
التعليق:
1-      تنحية الشريعة -بالمعنى القطبي-كلمة حشرتها بين غيرها من المكفرات بلا دليل.
2-     هذه المكفرات السجود للصنم وعبادة القبور... عليها أدلة واضحة وضوح الشمس في ضحاها، فأين الدليل على أن تنحية الشريعة كفرٌ أكبر بإطلاق وبلا تفصيل؟
3-    قال ابن القيم-رحمه الله-: (وأما كفر العمل فينقسم إلى ما يضاد الإيمان وإلى ما لا يضاده، فالسجود للصنم والاستهانة بالمصحف وقتل النبي وسبه يضاد الإيمان، وأما الحكم بغير ما أنزل الله وترك الصلاة فهو من الكفر العملي قطعاً ولا يمكن أن ينفي عنه اسم الكفر بعد أن أطلقه الله ورسوله عليه فالحاكم بغير ما أنزل الله كافر وتارك الصلاة كافر بنص رسول الله-صلى الله عليه وسلم-، ولكن هو كفر عمل لا كفر اعتقاد) اهـ الصلاة وحكم تاركها صـ72
فهذا ابن القيم-رحمه الله-لا يُسَوِّي بين (السجود للصنم) وبين (الحكم بغير ما أنزل الله) رغم أن كلاً منهما كفر يتعلق بالعمل.

فإن قلت: كيف يحمل تكفير ابن القيم-رحمه الله-للحاكم بغير ما أنزل الله على الكفر الذي لا يضادُّ الإيمان وهو قد قرنه بتارك الصلاة وابن القيم يكفر تارك الصلاة؟
 قيل: قال ابن القيم نفسه: (والصحيح: أن الحكم بغير ما أنزل الله يتناول الكفرين الأصغر والأكبر بحسب حال الحاكم فإنه إن اعتقد وجوب الحكم بما أنزل الله في هذه الواقعة وعدل عنه عصيانا لأنه مع اعترافه بأنه مستحق للعقوبة فهذا كفر أصغر وإن اعتقد أنه غير واجب وأنه مخير فيه مع تيقنه أنه حكم الله تعالى فهذا كفر أكبر وإن جهله وأخطأه: فهذا مخطئ له حكم المخطئين) اهـ
                                                     [مدارج السالكين1/336]
 فهل أنت منتهٍ عن غيك؟!



قولك:
[الرابعة: من تأمل قصة الخوارج مع علي رضي الله عنه؛ وجد أنه لم ينكر عليهم تكفيرهم من حكم بغير ما أنزل الله؛ إنما أنكر عليهم رفضهم للتحكيم، وظنهم أنه مخالف لقول الله تعالى {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ}، الذي احتجوا به عليه.] اهـ.

التعليق:
1-أين هذا الإقرار من عليٍّ-رضى الله عنه-لا سيما وهي مناظرة،
والمناظرات قد يستعمل فيها المناظر التسليم الجدلى والتنزل وغير ذلك،
 وإلا فقل لي بربك كيف فهمت مناظرة إبراهيم-عليه السلام-مع النمرود -عليه اللعنة-لما قال أنا أحيي وأميت؟
هل أجابه الخليل -عليه السلام-؟
وهل لما ترك الخليل-عليه السلام-جوابه عن هذه؛ هل هذا يعد ٌإقراراً بربوبية النمرود وعدم إنكار لها؟ سبحان الله!
2-العجب مِن هذا، يطعن في على بن أبى طالب-رضي الله عنه-لنصرة مذهبه الخارجي؛ فإنه يرى أن علياً أقرَّ الخوارج على سيئ مذهبهم!
 فمعلوم أن الخوارج فهموا من الآية تكفير من لم يحكم بما أنزل الله مطلقاً وبذلك كفروا مرتكب الكبيرة بل وبعضهم كفر العاصي مطلقاً واستدلوا بهذه الآية وغيرها فأراد هذا أن يجعل علياً-رضى الله عنه -مقراً لهم في أسوء ما هم عليه وأن يجعل الخلاف بينهم وبينه في رفضهم للتحكيم فحسب فيرمي علياً بمذهب الخوارج وهو لا يشعر.
3-التخبط في فهم النصوص والاستدلال،
 فتارةً يقول بأن الآية تدل على أن من نازع الله في الحكم فهو كافرٌ الكفر الأكبر ويرى أن الخوارج قد فهموا الآية فهماً صحيحاً وقد أقرهم على بن أبى طالب!
 وتارة يقول: إن مسألة تنحية الشريعة وتحكيم القوانين لم تكن في تلك الأزمنة وهي خارجة عن هذه القسمة التي دلت عليها الآية أصلاً.
وما زلنا معه في حيرة!
4-يبقى السؤال الذي ننتظر جوابه وبلا مراوغة هل تحكيم القوانين يستدل عليه بهذه الآية أم لا؟ وما وجه الدلالة؟ وما دليل التفصيل ؟!
نبئونا بعلمٍ إن كنتم صادقين.
5-قوله (نازع الله) فعلٌ والفعل يدل على الإطلاق لا العموم فهي كلمة مجملة تحتمل المنازعة المطلقة التي تقتضي الجحود لحكم الله واستحلال الحكم بغيره وادعاء حق التشريع دون الله وما إلى ذلك وهذا كفر أكبر بلا نزاع وتحميل مطلق المنازعة وهي المنازعة العملية التي لا تقتضي التكفير والتي أشار إليه حديث {عن أبي هريرة -قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: قال الله-عز وجل-:" الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري، فمن نازعني واحداً منهما، قذفته في النار} رواه أبو داود وغيره،
 ومعلومٌ أن التكبر من الكبائر، فهل تكفر المتكبر مطلقاً بلا تفصيل؟
 أم تفصل؟
 وإذا فصلت-وهذا ظني-فما دليل التفصيل رغم أنه منازع لله-عز وجل-فلماذا لم تكفره بإطلاق؟
6-لا نختلف في أن مبدأ الخلاف بين عليٌ-رضي الله عنه-والخوارج-كلاب النار-رفضهم التحكيم فهذا كان مبدأ الخلاف بينهم لكنهم-أي الخوارج-طردوا ذلك فكفروا مرتكبَ الكبيرة بل والصحابةَ جميعاً،
 ألا ترى أن تكفير مرتكب الكبيرة لا ذكر له ساعتئذٍ وأنه ظهر بعد ذلك؟!
 فكيف تحصر الخلاف في رفضهم للتحكيم، وظنهم أنه مخالف لقول الله-تعالى {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ}؟
7-كلام الذهبي-رحمه الله-الذي استدللت به -وهو عندك من أهل البدع-لا يدل على ما ذكرت وفهمت.
8-قول عليٍ-رضي الله عنه-" كلمة حق أريد بها باطل " يدل دلالة قاطعة على ما ذهبنا لا ما فهمت أنت،
 فالكلمة حق: لأنها كلام الله (لا حكم إلا لله)،
 أريد بها باطل: دل على سوء فهمهم وقصدهم،
 فمن أين لك أن علياً أقرهم؟
وهل كل سكوت إقرار؟
وهل إقرار غير المعصوم حجة؟
9-ما ذكرت عن علي-رضي الله عنه-أنه دعا بالمصحف، ووضعه بين يديه، وطفق يحركه بيده، ويقول: أيها المصحف حدث الناس؛ فناداه الناس؛ ما تسأل؟ إنما هو مداد، وورق، ونحن نتكلم بما روينا منه؛ فماذا تريد؟ قال: أصحابكم الذين خرجوا؛ بيني وبينهم كتاب الله تعالى؛ يقول في كتابه: {فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا} .... إلخ
 لا اشكال فيه ولا دلالة فيه على ما ذهبت إليه من أنه أقرهم على فهمهم الخاطئ بأي وجه من الوجوه.
10-خطأ الخوارج في قولهم بأن ما فعله عليٌ-رضي الله عنه-هو تركٌ لحكم الله إلى غيره واضحٌ جلي،
 وردُّ عليٍ-رضي الله عنه-عليهم واضحٌ أيضاً،
وسوقك الأمر بهذه الطريقة يوهن حقيقة الخلاف بين الصحابة والخوارج ويصوره في مجرد فهم خاطئ لآية، وهذا كما ترى فيه تقريب للخلاف بين أصحاب النبي وكلاب النار يشبه التقريب الإخواني بين السنة والشيعة ولا حول ولا قوة إلا بالله.





قوله:
[الخامسة: مَن في زمان ابن عباس رضي الله عنهما؛ ترك الشرع المنزل، وافترع شريعة من عنده (القوانين الوضعية، والدساتير العلمانية)، وحكم بها؛ حتى تنزل المرجئة كلامه على الحكام المعاصرين، وتقول: قال ابن عباس: كفر دون كفر؟] اهـ
التعليق:
1-     لا يلزم وقوعُ هذه الصورة في زمن ابن عباس-رضي الله عنهما-حتى يتنزل عليها قوله؛ لأنها فرد من أفراد من لم يحكم به أنزل الله وصورة من صورها، وهذا واضح جداً.
ألا ترى أنه ليس بلازم أيضاً وقوع جميع صور هذه المسألة في زمن ابن عباس حتى يتسنى له تفسيرها!
2-    إن ابن عباس-رضي الله عنهما-لم يقصد حصر تفسير الآية في كفر دون كفر.
 كيف وهي نازلة أصلاً في اليهود؟!
 ولكنه قصد أنها تشمل كفراً دون كفر أيضاً،
 وعلى هذا التفصيل درج السلف بلا تناقض بين أقوالهم، فمن كفَّر الكفر الأكبر فللجحود والاستحلال،
 ومن نص على الأصغر فلغير الجحود والاستحلال وهذا واضح أيضاً.
3-      دعوى أن هذه الصورة لم تقع في زمن ابن عباس خطأ لأن هذه الصورة وقعت قبل زمان النبي-صلى الله عليه وسلم-من اليهود حين غيروا حكم التوراة في الرجم وحرفوه إلى شريعة سارية نافذة؛ فهي أشبه ما يكون بقانونٍ وضعيٍ نسبوه لله رب العالمين، فكان كفرهم أكبر بلا خلاف، وهذا حقيقة ما فعله التتار في الياسق،
 فإطلاق القول بأن هذا لم يقع في ذلك الزمان غفلة قبيحة.
 فالحق أن كلا الصورتين وقع: صورة (الكفر الأكبر)، وصورة (كفر دون كفر).
 وبقيت صورة:
 (قانونٍ وضعيٍ لا يُنسب لله، ولا يُفضّل على حكم الله، ولا يُستحَلُّ الحكم به) فهي إحدى صور الكفر الأصغر لاختلافها عن صورة كفر اليهود حيث نسبوا تحريفهم لله وجحدوا حكم الله واستحلوا الحكم بما كتبوه بأيديهم فلا يمكن إلحاق هذه الصورة الحادثة بتلك الصورة القديمة لقيام هذا الفارق الكبير.
قوله:
 (على أن له قولاً آخر، وهو صحيح ثابت عنه، وهو قوله: (هي به كفر)، وفي لفظ: (كفى به كفره) رواه عبد الرزاق في تفسيره (1/191) بسند صحيح.) اهـ
التعليق:
قلت: مازال الرجل يتحفنا بما يظهر مبلغ علمه وقدر عقله!
 فعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " اثنتان في الناس هما بهم كفر: الطعن في النسب والنياحة على الميت" رواه مسلم.
فما الفرق؟ {هي به كفر} و{هما بهم كفر}!
 وقوله: [وفي لفظ: (كفى به كفره)] ظن أنها تنفعه وأنها أصرح من سابقتها.
ومعناها: (كفره: الكفر الذي اتصف به) فما هو هذا الكفر؟
 الجواب: يفسره اللفظ الآخر (كفر دون كفر)،
 فهل كلمة (كفره) يفهم منها العقلاء أنها الأكبر ولابد؟
 أم أنها في كفر مضاف إلى صاحبه وقد تقدم تفسيره في الروايات الأخر؟
 وهب أنه الكفر الأكبر فهذا قطعاً في الجاحد والمستحل كما ذكر الطبري-رحمه الله-.
ليس العتب عليك وإنما العتب على من يقرأ لك ويعجبه شأنك! ويظن أنك على شيء.

قوله:
 (إن هذه الآثار إنما نطق بها هؤلاء الأئمة؛ للرد على الخوارج الذين يكفرون كل من حاد عن شرع الله في الحكم، وهذا حق؛ فمن عظم الشريعة، وحكم بها، وحاكم إليها؛ ثم خالف حكم الله في مسألة، أو أكثر؛ فهذا ينطبق عليه قول من قال: (كفر دون كفر)؛ أما من نحى الشريعة جانباً، وحكم بالياسق، أو بالقانون الفرنسي، أو بغيره من القوانين؛ فهذا بلا مثنوية؛ كافر بالله العظيم.) اهـ
التعليق:
1- هذا حق قام به الأئمة القدماء في الرد على خوارج زمانهم وقام به الأئمة المعاصرون في الرد على خوارج عصرهم.
2- ومع ذلك فقولهم ذلك في مقام الرد على الخوارج لا يلزم منه الحصر في ذلك ولا إسقاط العموم من كلامهم.
3- زعمت أن من خالف حكم الله في مسألة، أو أكثر؛ فهذا ينطبق عليه قول من قال: كفر دون كفر) فما ضابط ذلك وهل له نهاية وما نهايته إن وجدت؟
4-هل مجال الحكم القضائي هو كل الشريعة ليصح القول بالتنحية للشريعة كلها؟
 5-وماذا لو كانوا يصلون ويشهدون الجمع والجماعات-ولو أحياناً-ويجعلون جامعات تحت إشراف الدولة على التعليم الإسلامي -على زعمهم-وينطلقون من فتاوى الأزهر-على ما فيه-ولهم وزارات أوقاف ووعظ فهل يسلم لك القول بأن هؤلاء نحوا الشريعة كلها؟
4-قولك وحكم (بالياسق) أو (بالقانون) جمعٌ بين مختلفين. وقد سبق بيان حقيقة الياسق وموقف التتار منه.

قوله:
 (حيث لم يفرقوا بين الحكم العام الذي صار شرعاً يتبع، ونظاماً تقوم عليه مؤسسات الدولة، وعقيدة راسخة عند حكامها يحمونها بقوة السلاح، ويعاقبون بالقتل والسجن من دعاهم إلى تركها، وتحكيم شرع الله، وبين الحكم في واقعة أو وقائع؛ مع تحكيم الشريعة) اهـ
التعليق:
1-إذا كان الحكم بغير ما أنزل الله في واقعةٍ أو وقائع؛ لا يستلزم الكفر الأكبر فالتعميم أيضاً لا يستلزمه ولا فرق.
وإذا كان التعميم يستلزم التكفير فكذلك في الواقعة الواحدة يستلزم التكفير ولا فرق.
وإذ قد سلمت أن الحكم في الواقعة المعينة ليس كفراً أكبر لزمك أن تقول إنه معصية فحسب ولابد.
 وإذا قلت ذلك تركت قولك ولابد!
 ألا ترى أن تعميم المعاصي-التي لا تبلغ حد الكفر-والقتالَ عليها وإلزامَ الناس بها ليس كفراً أكبر؟
وإذا قلت: إن تعميم هذا الحكم-الذي أصله معصية لا كفر باعترافك-صار كفراً لزمك أن تكفر من حكم في القضية المعينة – ولو كان معظماً للشريعة ذائداً عن حياضها ولا يشفع له ذلك
ألا ترى أن قليل الكفر كفر وكثير المعصية معصية؟!
3-ولو سلمنا بذلك-جدلاً-فما حكم من لم يكفر هؤلاء المعينين أمرجئ هو عندك أم مجتهد مخطئ؟
4-ومن ثم فما قولك في الإمام أحمد-رحمه الله-من عدم تكفيره للمعتصم؟
وما حكمك في الإمام عبد العزيز الكناني-رحمه الله-ولم يكفر المأمون؟
مع حملهم الناس على مقولة الكفر بالسلاح والسجن والترغيب والترهيب؟
فهل تبدعهما؟
أم تكفرهما؟
أم تعذرهما؟
أم تسكت تقية؟
أم تسكت للمصلحة؟
أم تفرق بين القانون الوضعي والقول بخلق القرآن الذي صح فيه الإجماع على تكفير من قال القرآن مخلوق؟ فتأتي بالعجب؟!
 فاذا كان الذي يحمل الناس على الحكم بغير ما أنزل الله بالسلاح كافر بالله العظيم بعينه بلا مثنوية؛ فكيف بمن يحمل الناس على الكفر المجرد وهو القول بخلق القرآن وكيف بمن لم يكفره؟

قوله:
(وكذلك في فهمهم لكلام أهل العلم؛ فابن إبراهيم، والشنقيطي، وأحمد شاكر -على سبيل المثال -عند ذكر الصورة الأولى؛ يقولون بالتفصيل المعروف، وفي الصورة الثانية: يصرحون بكفر من تلبس بها، وينبهون على أن مسألة تحكيم القوانين خارجة عن هذا التفصيل، وعلى أن من احتج بأثر ابن عباس، وأسقطه على هذه الصورة؛ فهو من المضللين.) اهـ
التعليق:
قلتَ في النصائح السلفية إلى مدرسة الإسكندرية- قبل أن تنتكس-:
[ثانيا: العلامة محمد بن إبراهيم آل الشيخ:
"وكذلك تحقيق معنى محمد رسول الله من تحكيم شريعته والتقيد بها ونبذ ما خالفها من القوانين والأوضاع وسائر الأشياء التي ما أنزل الله بها من سلطان والتي من حكم بها أو حاكم إليها معتقدًا صحة ذلك وجوازه فهو كافر الكفر الناقل عن الملة وإن فعل ذلك بدون اعتقاد ذلك وجوازه فهو كافر الكفر العملي الذي لا ينقل عن الملة". اهـ (ص-ف62 –1 في9/1/1385)] اهـ
وقلت أيضاً في المرجع السابق-قبل الانتكاس-:
ولا تنس –أخي طالب الحق– إعادة النظر والتمعن فيما نقلناه لك من فتاوى أئمة العصر في مسألة تحكيم القوانين. وبهذه المناسبة نقول للذين يحتجون، بفتوى العلامة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ -المعروفة برسالة تحكيم القوانين-رويدكم، لا تفرحوا، فها نحن قد سقنا لكم فتوى له يوافق فيها سبيل من سلف ([1]) فيما ذهبوا إليه من أن المسألة فيها تفصيل وأنه لا يكفر كفراً أكبر إلا إذا استحل، هذا وقد عورض الإمام ابن باز بفتوى شيخه هذه –أي: رسالة تحكيم القوانين-في اللقاء الذي أجرته معه مجلة الفرقان – العدد(82).
  سئل –رحمه الله–:
هناك فتوى للشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ –رحمه الله– يستدل بها أصحاب التكفير هؤلاء على أن الشيخ لا يفرق بين من حكم بغير شرع الله عز وجل مستحلاً ومن ليس كذلك، كما هو التفريق المعروف عند العلماء؟
الشيخ ابن باز: هذا الأمر مستقر عند العلماء كما قدمت أن من استحل ذلك فقد كفر، أما من لم يستحل ذلك كأن يحكم بالرشوة ونحوها؛ فهذا كفر دون كفر، أما إذا قامت دولة إسلامية لديها القدرة فعليها أن تجاهد من لا يحكم بما أنزل الله حتى تلزمه بذلك.
ثم سئل: وهم يستدلون بفتوى الشيخ إبراهيم؟
الشيخ ابن باز: محمد بن إبراهيم ليس بمعصوم فهو عالم من العلماء، يخطئ ويصيب وليس نبيًا ولا رسولا، وكذلك شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وابن كثير، وغيرهم من العلماء كلهم يخطئ ويصيب، ويؤخذ من قولهم ما وافق الحق، وما خالف الحق يرد على فاعله.
وفي شريط (الدمعة البازية) احتج سلمان العودة –أيضاً– برسالة تحكيم القوانين، وجرى بينه وبين الشيخ ابن باز –رحمه الله– الحوار التالي:
سلمان: سماحة الشيخ، الشيخ محمد –رحمه الله– ابن إبراهيم في رسالته ذكر أن الدول التي تحكم بالقانون دول كفرية يجب الهجرة منها.
فقال الشيخ ابن باز: لظهور الشر، لظهور الكفر والمعاصي.
فقال سلمان: الذين يحكمون بالقانون.
فقال الشيخ ابن باز: شفت رسالته  –الله  يغفر له–  بل يرى ظاهرهم الكفر، لأن وضعهم للقوانين دليل على رضي واستحلال، هذا ظاهر رسالته  –رحمه الله–  لكن أنا عندي فيها توقف، إنه ما يكفي هذا حتى يعرف أنه استحله، أما مجرد أنه حكم بغير ما أنزل الله أو أمر بذلك، ما يكفر بذلك مثل الذي أمر بالحكم على فلان أو قتل فلان ما يكفر بذلك حتى يستحله، الحجاج بن يوسف ما يكفر بذلك ولو قتل ما قتل حتى يستحل، لأن لهم شبهة، وعبد الملك ابن مروان، ومعاوية وغيرهم، ما يكفرون بهذا لعدم الاستحلال، وقتل النفوس أعظم من الزنا وأعظم من الحكم بالرشوة".اهـ بحروفه وهامشه!
أليس هذا ما خطه بنانك؟
أليس هذا ما رقمته يدك؟
فنعوذ بالله من الحَوْر بعد الكَوْر.
وقلت أيضاً في كتابك المومى إليه:
[وأما الشيخ الشنقيطي فقد احتجوا بكلام مجمل له، ضاربين بما فصل بعد ذلك ([2]) عرض الحائط، وهذا ديدن أهل البدع في كل زمان ومكان يقولون ما لهم ويتركون ما عليهم، بينما أهل السنة لفرط إنصافهم وعدلهم يقولون ما لهم وما عليهم، أقول: فقد جئناكم –آنفا– بكلام للشيخ –رحمه الله – يدحض مزاعمكم، يبين فيه الشيخ الحق في هذه المسألة، وأنه يذهب فيها إلى التفصيل كغيره من إخوانه العلماء، يدلك على ذلك –أخي طالب الحق– أن الشيخ قال: "واعلم أن تحرير المقام في هذا البحث.... الخ" فتأمل ([3]) حتى لا يقول قائل لم لا يكون ما نقلناه عن الشيخ هو الأصل الذي يعتمد عليه والأخير من أقواله الذي استقر عليه.
وأنا أترك القارئ الكريم أن يقرأ ما نقله برهامي عن الشيخ الشنقيطي في هذه المسألة، ومنه:" فتحكيم هذا النوع من النظام في أنفس المجتمع وأموالهم وأعراضهم وأنسابهم وعقولهم وأبدانهم، كفر بخالق السماوات والأرض، وتمرد على نظام السماء الذي وضعه خالق الخلائق لها، وهو أعلم بمصالحهم سبحانه وتعالى عن أن يكون معه مشرع آخر علوا كبيرا". ثم أوجه إليه سؤالا: كيف سيكون حال الشباب بعدما يقرأ هذا الكلام، لا شك أن الشباب سيترسخ لديهم ما يلي:
أن مجرد تحكيم القوانين كفر أكبر مخرج من الملة.
أن المسألة ليس فيها أقوال أخرى للعلماء، لاسيما ولم ينقل الدكتور ياسر إلا ما وافق رأيه، وهي أقوال الشيخ محمد بن إبراهيم والشيخ الشنقيطي والشيخ أحمد شاكر والأستاذ محمود شاكر؟!
ولو فرض أن الشباب قرأ شيئاً مخالفاً لما في المنة، فعلى أضعف الأحوال سيعتقد أن المسألة خلافية والخلاف ضعيف. -وإن كان برهامي لا يرى أنها خلافية-.
أما هو فلم ينقل إلا عن هؤلاء وليس هذا لضيق وقته أو فتور همته، إنما لأنه لم يجد لغير هؤلاء المشايخ الفضلاء ما يوافق كلامه ورأيه في المسألة، والصحيح أن شيئاً من ذلك لم يكن، أما فتوى الشيخ ابن إبراهيم وكلام الشيخ الشنقيطي في أضواء البيان، فقد مر بك أنهما يوافقان إخوانهما من العلماء وأن الدكتور ومن على شاكلته قد ترك المحكم واتبع المتشابه ونقل المجمل وأعرض عن المفصل، وأما كلام الشيخ أحمد شاكر فقد نقله برهامي من (عمدة التفاسير) فقال: "المنة ص (172)" "ولقد بين الشيخ احمد شاكر والشيخ محمود شاكر ضلال من يقول: أن تحكيم القوانين الوضعية في التشريع العام كفر دون كفر وأنها من جنس ما قال فيه ابن عباس رضي الله عنهما لمن كانوا يسألونه من الخوارج ويستدلون على كفر حكام بنى أمية بقوله تعالى: (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) فقال: فيه ابن عباس "كفر دون كفر".اهـ
 وبالرجوع إلى عمدة التفاسير طبعة دار الوفاء (الطبعة التاسعة) المجلد الأول ص (وما بعدها).
لم نجد فيها ذكراً لحكام بني أمية، كما ذكر، وهذا الصنيع إذا تلبس به مسلم عد ذلك تدليساً فظيعاً وكذباً شنيعاً، فكيف بمن نسب نفسه لأهل العلم وتصدر للدعوة والتدريس؟! ولكن لا عجب فهو معتاد على هذا، حيث يدلس في النقول ويبتر فيها على حسب ما يوافق هواه.
أقول: وإذا كان الشيخ أحمد شاكر –رحمه الله– يعتقد أن تحكيم القوانين لا يجوز أن يقال فيه أنه كفر دون كفر، ويشنع على المخالف في ذلك، فهذا اجتهاد منه -رحمه الله-والعلماء يخالف بعضهم بعضاً، والشيخ أحمد شاكر خالفه غير واحد في مسائل حديثية وفقهية، وهذه المسألة من الأشياء التي اجتهد فيها الشيخ وخولف(*)
 وأيضاً عندما ينقل الباحث قولاً لعالم ما –وهو يعلم يقيناً– أن له قولاً آخر في المسألة، ثم يعمد إلى حجب هذا القول الآخر –لأنه على غير هواه– ألا يعد ذلك كذباً على هذا العالم، وتدليساً على القراء وغشاً لهم، إن برهامي إذ نقل قول الشيخ الشنقيطي في المسألة كان حرى به أن ينقل بقية أقواله، أما أن يعمد إلى ذكر ما يوافقه ويحجب ذكر ما يعارضه فليس هذا من صنيع أهل العلم. وأيضا الباحث يود لو جمع في بحثه جميع ما ذكر في المسألة من أقوال العلماء ليقوى بها بحثه وينصر بها رأيه، لاسيما والمسالة المطروحة شائكة، ومع ذلك رأيناه يكتفي بذكر ثلاثة نصوص فقط. لماذا؟! لأنه لم يجد غيرها، هذه واحدة، والثانية أنه يعرف أن ما قاله وذكره على شفا جرف هار، أما نحن فلما أردنا أن ننقل أقوال العلماء في المسألة لم نحتج إلى شيء من ذلك، بل وجدناها أمامنا متكاثرة يعضد بعضها بعضاً وينصر بعضها بعضاً، والذي تركناه من أقوالهم أكثر مما ذكرناه، لأن الحق قوي بنفسه لا يحتاج من ينصره، إنما نقلنا ما نقلنا من باب "أو لم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي" فتركنا فتاوى عبدالعزيز آل الشيخ والفوزان والغديان والجابري ومحمد عبد الوهاب البنا وصالح السحيمي وآل طامي والأطرم وعبد الصمد وصالح آل الشيخ وعلى فقيهي وغيرهم،
 أفيليق بالباحث أن يترك هذه الأقوال المتكاثرة لجمهور أهل العلم ويذهب إلى أقوال هي في الحقيقة عند التأمل تعود إلى قول الجمهور؟! كفتوى الشيخ محمد بن إبراهيم وكلام الشيخ الشنقيطي، أو تخالفه ككلام الشيخ أحمد شاكر، -وكما ذكرنا قبل أن المخالفة لا تضر-وأن العلماء مازالوا قديماً وحديثاً يختلفون، وعلى كل حال فالشيخ أحمد شاكر –رحمه الله-ليس بنبي ولا رسول.] اهـ بحروفه وهوامشه.
وزيادة على كلامك أضيف قائلاً:
1-     إن كان كلام الشنقيطي-رحمه الله-حجة في التكفير بالحكم بالقوانين الوضعية بإطلاق وبلا تفصيل فهل تأخذ به أيضاً في تفسير هذه الآيات التي زعمت أن ابن عباس وغيره من الأئمة إنما فسروها في مقام الرد على الخوارج فحسب ص27 النصائح السلفية.
2-    وهل كان الشنقيطي-رحمه الله-إذ فسرها بذلك مرجئاً؟ أم وافق قوله قول المرجئة؟
3-    الفهم الصحيح لكلام الشنقيطي-رحمة الله عليه-يتضح من خلال قوله:
 (الذين يعدلون عن نور الله الذي شرعه على ألسنة أوليائه) إنما قصد تحليل الحرام وتحريم الحلال حيث قال: (فالحلال ما أحله الله والحرام ما حرمه الله والدين ما شرعه الله).
ومعنى ذلك: أن من زعم تحريم ما أحله الله فهو مكذب لله ورسوله-صلى الله عليه وسلم-، وكذلك من زعم تحليل ما أحله الله فهو مكذب لله ورسوله-صلى الله عليه وسلم-أيضاً، أما من أقر بذلك التحليل والتحريم ثم حكم بغيره؛ فهي مسألة (الحكم بغير ما أنزل الله) التي فيها التفصيل المعروف.
قال الشنقيطي-رحمه الله-الذي احتججت بفهمك السيئ لكلامه-رحمه الله-:
ويفهم من هذه الآيات كقوله: (ولا يشرك في حكمه أحداً) أن متبعي أحكام المشرعين غير ما شرعه الله أنهم مشركون بالله وهذا المفهوم جاء مبيناً في آيات أخر كقوله فيمن اتبع تشريع الشيطان في إباحة الميتة بدعوى أنها ذبيحة الله " ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون"
فصرح بأنهم مشركون بطاعتهم وهذا الإشراك في الطاعة واتباع التشريع المخالف لما شرعه الله تعالى هو المراد بعبادة الشيطان) اهـ [3/259]
وقال أيضاً:
(كدعوى أن تفضيل الذكر على الأنثى في الميراث ليس بإنصاف وأنهما يلزم استواؤهما في الميراث وكدعوى أن تعدد الزوجات ظلم وأن الطلاق ظلم للمرأة وأن الرجم والقطع ونحوهما من الأعمال وحشية لا يسوغ فعلها بالإنسان ونحو ذلك فتحكيم هذا النوع كفر بخالق السماوات والأرض.) اهـ[3/259-260]
وقال أيضاً:
"واعلم أن تحرير المقام في هذا البحث أن الكفر والظلم والفسق كل واحد منهما ربما أطلق في الشرع مراداً به المعصية تارة والكفر المخرج من الملة تارة أخرى.
(ومن لم يحكم بما أنزل الله) معارضة للرسل وإبطالاً لأحكام الله فظلمه وفسقة وكفره كلها كفر مخرج عن الملة (ومن لم يحكم بما انزل الله) معتقداً أنه مرتكب حراماً فاعلٌ قبيحاً فكفره وظلمه وفسقة غير مخرج عن الملة "اهـ [الأضواء 1/407]
إلى أن قال:
"وقد قدمنا أن العبرة بعموم الألفاظ لا بخصوص الأسباب فمن كان امتناعه من الحكم بما أنزل الله لقصد معارضته ورده والامتناع من التزامه فهو كافر ظالم فاسق كلها بمعناها المخرج من الملة ومن كان امتناعه من الحكم لهوى وهو يعتقد قبح فعله فكفره وظلمه وفسقه غير مخرج من الملة إلا إذا كان بما امتنع من الحكم به شرطاً في صحة إيمانه كالامتناع من اعتقاد ما لابد من اعتقاده هذا هو الظاهر في الآيات المذكورة كما قدمنا والعلم عند الله تعالى"اهـ [1/411-412]
وقال أيضاً:
(وبذلك تعلم أن الحلال هو ما أحله الله والحرام ما حرمه الله والدين هو ما شرعه الله فكل تشريع من غيره باطل والعمل به بدل تشريع الله عند من يعتقد أنه مثله أو خير منه كفر بواح لا نزاع فيه) اهـ[7/48] الأضواء.
فهذا كلام الشنقيطي-رحمه الله-أوضح من شمس النهار أنه على التفصيل المعروف عن السلف سواء في قضية أو تشريع وأن مناط الكفر الأكبر عنده هو الاستحلال كالذين استحلوا الميتة أو الجحود كالذين يقولون الرجم وحشية والطلاق ظلم وهكذا،
ومن طمس الله بصيرته فخلط الأوراق ودلس على الناس فالله حسيبه.
ثم إن الشنقيطي-رحمه الله-ممن يترحم على أبي حنيفة ويدافع عنه ويلتمس له المعاذير بل ويراه إماماً!
فأنت الآن في مأزق خطير:
 إما أن تبدعه ولا تحتج بكلامه؛ لأنه يفصل في تحكيم القوانين هذه واحدة،
 ولا يبدع أبا حنيفة وهذه الثانية-عندك-.
وإما أن تعتذر له –مع ذلك-فيلزمك منهج الموازنات الذي تفر منه.
أو يلزمك ألا تبدع من قال بقوله وفصل كتفصيله.

ثم أليس محمد بن إبراهيم من هؤلاء الأئمة الذين أخفوا تبديع السلف لأبي حنيفة؟ فلماذا عفوت عنه ههنا بينما شمله عموم قولك في موضع آخر: [فليت شعري من أعطى علماء الدعوة حق التصرف في تراث الأمة والافتيات على إجماع أكابرها الذين أطبقوا على ذم مرجئة الفقهاء وتبديعهم والتحذير منهم على وجه العموم ومن أبي حنيفة على وجه الخصوص] أليس هو ممن وقع في [الخيانة العظمى والجناية الكبرى] أم تستثنيه من أئمة الدعوة؟ إجابة على تساؤلات صـ23
والآن مع بع أقوال الشيخ محمد بن إبراهيم في أبي حنيفة:
وقال الإمام أبو حنيفة رحمه الله : ما جاء عن الله تعالى فعلى الرأس والعين ، وما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلى الرأس والعين ، وما جاء عن الصحابة فعلى الرأس والعين ، وما جاء عن التابعين فهم رجال ونحن رجال. (فتوي  1322)

( 2264 ـ لايشترط أن يحكم بصحة الوقف حاكم )
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة صاحب الفضيلة رئيس المحكمة الشرعية الكبرى سلمه الله )
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. وبعد :
فبالاشارة إلى تحريركم المؤرخ 3/6/ 1375هـ بشأن استفهامكم عن وقف قاسم بن محمد النقشيندي . وماذكره في وقفه من الشروط ، وأن هذه الشروط تبطل الوقف على مذهب الامام أحمد ، وأنه وقف هذا الوقف ولم يحكم به حاكم ، ومذهب
الامام أبي حنيفة أنه لايلزم الوقف إلا بحكم حاكم ، وأنه يريد إبطال هذا الوقف .
من محمد بن إبراهيم إلى المكرم عوض عتيق إلىباوى سلمه الله
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته . وبعد:-
فقد جرى الإطلاع على سؤالك عن الضبع أهي مباحة, أم لا؟
يأكلون الخشيشة, وإلافيون, ونحوهما من المسكرات والمفترات .
والجواب:-وبالله التوفيق , وأن العلماء في الضبع قولين :- أحدهما التحريم, وإليه ذهب الإمام أبو حنيفة رضى الله عنه على أساس أنها من ذوات إلأنياب التي جاء فيها حديث أبى هريرة, عن النبي( أنه قال :"كل ذي ناب من السباع فاكله حرام" رواه مسلم.
(974 ـ أخذ الذهب والفضة عن الجذعة )
وأما الدليل على أخذ الذهب والفضة بدلاً من الجذعة والقيمة في الزكاة عن بهيمة الأنعام . فلا أعلم فيه دليلاً صحيحاً صريحاً من السنة ، ولهذا ذهب الجمهور إلى المنع من دفع القيمة وأنها لا تجزئ ،وجوز ذلك أبو حنيفة رحمه الله
وتوريث ذوي الأرحام هو مذهب الامام أبي حنيفة رحمة الله عليه ،ومذهب الامام أحمد رحمه الله ، وثاني قولي الامام الشافعي رحمه الله ، ودليل توريثهم قول النبي صلى الله عليه وسلم : " الخال وارث من لا وارث له"(4) والله أعلم .وصلى الله عليه وسلم وآله وصحبه .
(ص / ف 133 في 14 / 3/ 1375) .
ومحمد بن الحسن أخذ عن أبي حنيفة ومالك وطبقتهما من العلماء، وقد حكى هذا الإجماع، وأخبر أن الجهمية تصفه بالأمور السلبية غالباً أو دائماً. قوله: من غير تفسير. أراد به تفسير الجهمية المعطلة الذين ابتدعوا تفسير الصفات بخلاف ما كان عليه الصحابة والتابعون من الإثبات.
مفتي الديار السعودية (ص/ف 3486/ في 28/7/1389هـ)
وقال عن كتاب الفقه الأكبر (4498- الفقه الأكبر)
شهرته معروفة معلومة وثابت عن أبي حنيفة بالأسانيد الثابتة، ويوجد من هو داعي في الأحناف ليس منهم أشكل عيه نسبته إليه، وذلك لما دخل عليه من التجهم فرآه يخالف معتقده، وذلك أن كثيراً منهم أشعرية الاعتقاد أو ما تريدية الاعتقاد، فرأوا أنه يتعين نفي ذلك عن أبي حنيفة، وان الإمام إمام صدق، وذلك لجهلهم بإمامهم وبالكتاب والسنة، كما وقع لغيرهم من أتباع الأئمة. (تقرير حموية).
ولما حضر أُناس إلى الإمام أَبي حنيفة رحمه الله وسأَلوه عن وجود الله سبحانه وتعالى، قال لهم: دعوني فإني مفكر في أَمر أُخبرت عنه، لقد ذكر لي أَن سفينة في البحر موقرة فيها أَنواع من المتاجر وليس بها أَحد يحرسها ولا يسوقها، وهي مع ذلك تذهب وتجيء وتسير بنفسها وتخترق الأمواج العظام حتى تتخلص منها وتسير حيث شاءت بنفسها من غير أَن يسوقها أَحد. فقالوا: هذا شيء لا يقوله عاقل. فقال لهم الإمام أَبو حنيفة: ويحكم هذه الموجودات بما فيها من العالم العلوي والسفلي وما اشتملت عليه من الأَشياء المحكمة أَليس لها صانع؟ فبهت القوم ورجعوا إلى الحق وأَسلموا على يديه لله رب العالمين. (ص-م-11-10-87هـ)
((لاَ يَزْنيْ الزَّانيْ حيْنَ يَزْنيْ وَهُوَ مُؤْمنٌ)) قول بعض السلف يجانبه الايمان ويكون فوقه كالظلة.
المراد به كماله الواجب لا الإيمان كله. (تقرير).
(مرجئة الفقهاء)
الامام أَبو حنيفة -رحمه الله- وشيخه حماد بن أَبي سليمان هما من مرجئة الفقهاء الذين يقولون لا تدخل أَعمال الجوارح في الايمان، مع أَنهم يقولون بالتغليظ فيها، انما هي مسأَلة الاسم فقط. والجمهور على خلاف هذا. (تقرير الحموية). 
والخلاصة:
ما قولك الآن في الشيخ الإمام محمد بن إبراهيم وهو يترحم على أبي حنيفة بل ويترضى عنه بل ويصفه بالإمامة وأنه من العلماء مع علمه بأنه من مرجئة الفقهاء؟
فإن كان الشيخ عندك من أهل البدع فلا تحتج بكلامه
وإن كان من أهل السنة لزمك إيجاد المخارج لهذه الكلمات وسلوك منهج الموازنات
وعلى كل حال فكلام الشيخ -رحمه الله- يحتج له ولا يحتج به فدع عنك الإرهاب والإلزام بما لا يلزم.


وأخيراً أقول لك: دعك من النقل عمن لا تعتقد علمه ولا إمامته ولا صلاحه؛ تكثُّراً تارةً، وإيهاماً وتلبيساً أخرى، وعند المحاققة تقول هو من باب الإلزام!
 وما هو بإلزام إن تريد إلا فراراً! 

قوله:
(فالتسوية بين من حكم بغير ما أنزل الله في قضية معينة؛ مع قيام الشريعة، وظهورها، والحكم بها، والتحاكم إليها، وبين من نحى الشريعة جانباً، وفرض محلها القانون اللعين فرضاً على الناس، وساسهم به، وفوق ذلك جعل من نفسه مشرعاً؛ لا يقول بها إلا مرجئ طمس الله بصيرته، أو جاهل لم يفرق بين الصورتين.) اهـ
التعليق:
1-نعوذ بالله أن نكون من الجاهلين.
2-لا شك أن من سوى بين الصورتين فإنه جاهل مطموس البصيرة.
3-وكذلك لا يستوي من زنى مرة واحدة، ومن غلب على بلد وأجبر أهلها على الدعارة وفتح لهم المواخير وأغدق عليهم الأموال لتشجيعهم على الزنا، ومن قال له اتق الله أخذته العزة بالإثم فقتله أو سجنه، ثم جعل لهم نظاماً معيناً وأجرة محددة ووضع الشروط والمواعيد ومع ذلك فهو مقر أنها معاص لكنه يسوف التوبة ويتلذذ بالشهوة ولا يجحد الحرمة ولا يستحل الزنا فلا يسوي بين هاتين الصورتين إلا من طمس الله بصيرته.
وكلامنا ليس في هذا وخلافنا ليس فيه، وإنما موضع النزاع في تكفيرك الثاني دون الأول، أو تفصيلك في الأول دون الثاني لمجرد غلظ المعصية وتقنينها والثواب والعقاب عليها من غير جحود ولا استحلال.
4-قولك: (ولا يقول بهذا إلا مرجئ) يلزم منه تبديع كل من قال بالتفصيل في تحكيم القوانين من أئمة الزمان-ولو في أحد قوليه-وقد فعلت!

قوله:
(أما ابن باز الذي تحتج المرجئة بكلامه؛ فقد سبق، وقلنا: من سبقه إلى اشتراط الاستحلال في مسألة تحكيم القوانين، وإلى رد إجماع ابن كثير، والتشكيك فيه؟ ...وقد طعن فيه ابن باز بغير حجة؛ كما في شريط الدمعة البازية؛ حيث قال له أحد الحضور: ابن كثير -فضيلة الشيخ -نقل في البداية والنهاية؛ الإجماع على كفره كفراً أكبر؛ قال ابن باز: لعله إذا نسبه إلى الشرع.... فقال: لا؛ قال -أي ابن كثير -: من حكم بغير شريعة الله من الشرائع المنزلة المنسوخة؛ فهو كافر؛ فكيف من حكم بغير ذلك من آراء البشر؛ لا شك أنه مرتد .. فقال ابن باز: ولو، ولو؛ ابن كثير ما هو معصوم؛ يحتاج تأمل، قد يغلط هو، وغيره، وما أكثر من يحكي الإجماع." انتهى.
التعليق:
1- إن كان قوله حقاً فلا يضره ألَّا يسبقه إليه أحد وإن كان باطلاً ووافقه ألف عالم لم يصر صواباً!
2- إن هذه المسألة الحادثة داخلة ضمن عموم (ومن لم يحكم بما أنزل الله) فهل نحتاج كلما استجدت مسألة من العموم أن نسبق إليها وإلا فلا نتكلم؟
3- سبق أن ألزمتك مراراً بأن مطلق الحكم بغير ما أنزل الله إن كان كفراً أكبر فهو كذلك ولو في قضية معينة واحدة وإن لم يكن إلا بالتفصيل فلا يغيرُ الحكمَ تقنينٌ وتعميمٌ وإلزامٌ، والا فدليلك ؟!
4- ظهر من خلال هذه المناظرة بين الجبل الراسخ ابن باز والتكفيري الجاهل صدقُ المثل القائل إن رأي الشيخ خيرٌ من مشهد الغلام، فقول ابن باز-رحمه الله-لعله إذا نسبه إلى الشرع هو الصواب الثابت عن ابن كثير –رحمه الله-والعجيب أنك نقلته بيدك وفي نفس الصفحة!
(وقد ذكر بعضهم أنه كان يصعد جبلاً ثم ينزل ثم يصعد ثم ينزل مراراً حتى يعيى ويقع مغشياً عليه، ويأمر من عنده أن يكتب ما يلقى على لسانه حينئذ، فإن كان هذا هكذا؛ فالظاهر إن الشيطان كان ينطق على لسانه بما فيها. وذكر الجويني أن بعض عبادهم كان يصعد الجبال في البرد الشديد للعبادة؛ فسمع قائلاً يقول له: إنا قد ملكنا جنكيز خان وذريته وجه الأرض؛ قال الجويني: فمشايخ المغول يصدقون بهذا، ويأخذونه مسلماً؛) اهـ
قلت: فانظر وتأمل هذا الكلام لتعلم الفرق بين فراسة الإمام ومشهد الغلام.
على أن حقيقة الياسق وموقف التتار منه تعرضت له في غير هذا الموضع فلينظر هناك.


قوله:
(على أنه لم يأت بدليل واحد يقوي كلامه؛ فلا ذكر إجماعاً مخالفاً، ولا حتى قولاً لعالم من علماء ذاك العصر؛ أفتى بعدم كفر التتر؛ حتى يقول: خالف فلان؛ على فرض أن مثل هذا الخلاف ينقض الإجماع.
فيبقى كلامه ليس عليه أثارة من علم،) اهـ
التعليق:
1-أما المناظرات ففيها قد يندُّ عن ذهن العالم الدليل أو لا يستحضره أو أن السائل لم يسأله ولم يطلب منه ذلك أو غير ذلك من الملابسات فإن المقام ليس مقام تحرير إنما هو مقام سؤال وجواب بل أنت نفسك لا تستطيع أن تذكر الدليل في كل مسألة تفتى فيها.
2-أما الإجماع الذي طلبته فهو موجود؛ وكما سبق فإن هذه الصورة التي استجدت مندرجة تحت الأصل الكبير (ومن لم يحكم بما أنزل الله)، وعليه فقد قال شيخ الإسلام-ابن تيمية-رحمه الله-:
 [" ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون" كفروا كفراً لا ينقل عن الملة وقد اتبعهم أحمد بن حنبل وغيره من أئمة السنة] اهـ [7/312]
 أ-فهل ترتضى بذلك من شيخ الإسلام؟
ب-وهل تثبت به الإجماع؟
ج-وهب أن هذا اللفظ الذي ذكره ليس نصاً صريحاً في الإجماع، لكنه نسبه لإمام أهل السنة بل ولغيره من أئمة السنة فبهذا يبطل قولك: "من سبق ابن باز لهذا" قطعاً؟
3-المتقرر عند ابن باز-رحمه الله-أن مطلق الحكم بغير ما أنزل الله فيه التفصيل المعروف عن السلف في تفسير الآية فيكون الحكم بالقانون بغير استحلال ولا جحود داخلاً تحت أحكام المعاصي والذنوب وبذلك يتقرر إدراج هذه الصورة تحت إجماع السلف على عدم تكفير العاصي ما لم يستحل، فما الذي يحتاجه الإمام ابن باز-رحمه الله-أكثر من هذا وهل سكوته عن إيراده إلا لأنه معلوم ظاهر؟
 فهل يقال له بعد ذلك: "من سلفك؟" ومعه جميع السلف!
 "وما دليلك؟" ومعه الاجماع!
4-لا يحتاج ابن باز-رحمه الله-أن يأتي بقول عالمٍ-أو أكثر-من علماء عصر التتار لم يكفرهم، لأنه لا يخالف في ذلك أصلاً، وكأن الشيخ-رحمه الله-لم يستحضر وقت المناظرة حالة التتار فاحتاط-وقد سدده الله-قائلاً: لعله يريد بذلك من نسبه إلى الشرع، وقد رأيت!
5-تخطئة ابن باز لابن كثير-رحمهما الله-فلتصور ابن باز-رحمه الله-بادي الرأي أن الياسق كالقوانين الوضعية التي يحكم بها الناس دون نسبتها لله -عز وجل-ولو كان الأمر كذلك فابن كثير-رحمه الله-مخطئ قطعاً، لكن الأمر على خلاف ذلك.
6-لماذا تخلط بين الإجماع على كفر التتار وبين تكفير التتار لتحكيمهم الياسق؟ فهل تكفير التتار كان من هذه الحيثية فحسب أم هو التلبيس والتعمية والخلط؟
7-إذا كنت تقرر أن مسألة تحكيم الياسق ليس لها نظير في تاريخ المسلمين قبل ذلك الزمان ومن أجل ذلك فصل السلف في الحكم بغير ما أنزل الله لأن الياسق لم يكن ظهر بعدُ-فضلاً عن القوانين الوضعية-فهل ابن كثير–رحمه الله-يحكي إجماعاً قد انعقد في عصره ولا علاقة له بإجماع السلف؟
 أم أنه يحكي الإجماع الذي سبقه في الأعصر الأُوَل على تكفير الجاحد والمستحل؟
قال ابن كثير-رحمه الله-:
"فمن ترك الشرع المحكم المنزل على محمد بن عبد الله خاتم الأنبياء، وتحاكم إلى غيره من الشرائع المنسوخة؛ كفر؛ فكيف بمن تحاكم إلى الياسا، وقدمها عليه؟ من فعل ذلك كفر بإجماع المسلمين؛ قال الله تعالى: [أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ]، وقال تعالى: [فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً]" اهـ (البداية والنهاية 13/137-139)
ويلاحظ من كلامه-رحمه الله-أمور:
أ-أنه قرن الياسق بالشرائع المنسوخة ومعلوم أن اليهود والنصارى وغيرهم ممن يتحاكم إليها يزعم أنها من عند الله فينسبونها لله-رغم أنها نسخت!
ب-أنه-رحمه الله-نقل الإجماع على كفر من (تحاكم) إلى الياسق، وقمت أنت بقياس القوانين على الياسق، فكان يلزمك أن تكفر من (تحاكم) إلى القوانين أيضاً كما كفرت من (حكم) بها فتكفر عموم المسلمين وتسلك سبيل سيد قطب المبين، وإلا فلا تتلاعب بإجماع ابن كثير وأنت أول مخالف له!
ج-معلوم أن الذي يتحاكم إلى الياسق لم يشرع ولم يقنن ولم يثب ولم يعاقب ولم يحمل الناس على شيء من ذلك، فهل تستطيع أن تخبرنا ما سبب كفر هذا؟
د-أنه نص على أنهم يقدمونها على حكم الله وهذا التقديم هو عين التفضيل الذي نص أهل العلم على أنه مناط التكفير لا مجرد الحكم والتحاكم بلا تقديم ولا تفضيل. فافهم إن كنت من العاقلين!
هـ-أنه ذكر بعد حكاية الإجماع آيتين من كتاب الله-عز وجل-لو رجعت إلى تفسيره لهاتين الآيتين لأرحت واسترحت.
فإن عجزت وكسلت وتماديت وعاندت وكابرت فأنا أقوم عنك بهذا، وأضع أمامك كلام ابن كثير-رحمه الله-تحت هاتين الآيتين اللتين جعلهما المستند للإجماع الذي نقله هما بمثابة التفسير والتعليل له؛ حيث قال:
 [من فعل ذلك كفر بإجماع المسلمين؛ قال الله تعالى: [أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ .... وقال تعالى: [فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ....] اهـ
و_والآن تعالوا لننظر في تفسيره-رحمه الله-لهاتين الآيتين:
قال ابن كثير-رحمه الله-:
قَوْلُهُ تعالى:( أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُون).
يُنْكِرُ- تَعَالَى- عَلَى مَنْ خَرَجَ عَنْ حُكْمِ اللَّهِ الْمُحْكَمِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى كُلِّ خَيْرٍ، النَّاهِي عَنْ كُلِّ شَرٍّ وَعَدْلٍ إِلَى مَا سِوَاهُ مِنَ الْآرَاءِ وَالْأَهْوَاءِ وَالِاصْطِلَاحَاتِ الَّتِي وَضَعَهَا الرِّجَالُ بِلَا مُسْتَنَدٍ مِنْ شَرِيعَةِ اللَّهِ، كَمَا كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَحْكُمُونَ بِهِ مِنَ الضَّلَالَاتِ وَالْجَهَالَاتِ مِمَّا يَضَعُونَهَا بِآرَائِهِمْ وَأَهْوَائِهِمْ، وَكَمَا يَحْكُمُ بِهِ التَّتَارُ مِنَ السِّيَاسَاتِ الْمَلَكِيَّةِ الْمَأْخُوذَةِ عَنْ مَلِكِهِمْ جِنْكِزْخَانَ الَّذِي وَضَعَ لَهُمُ الياسق، وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ كِتَابٍ مَجْمُوعٍ مِنْ أَحْكَامٍ قد اقتبسها من شَرَائِعَ شَتَّى؛ مِنَ الْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ وَالْمِلَّةِ الْإِسْلَامِيَّةِ وغيرها، وَفِيهَا كَثِيرٌ مِنَ الْأَحْكَامِ أَخَذَهَا مِنْ مُجَرَّدِ نظره وهواه، فصارت في بينه شرعاً متبعاً يقدمونه على الحكم بِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْهُمْ فَهُوَ كَافِرٌ يَجِبُ قِتَالُهُ حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله، فَلَا يَحْكُمُ سِوَاهُ فِي قَلِيلٍ وَلَا كَثِيرٍ، قال تَعَالَى: أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ أَيْ يَبْتَغُونَ وَيُرِيدُونَ، وَعَنْ حُكْمِ اللَّهِ يَعْدِلُونَ، وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ أَيْ وَمَنْ أَعْدَلُ مِنَ اللَّهِ فِي حُكْمِهِ لِمَنْ عَقَلَ عَنِ الله شرعه، وآمن به، وأيقن وعلم أن الله أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ، وَأَرْحَمُ بِخُلُقِهِ مِنَ الْوَالِدَةِ بِوَلَدِهَا، فَإِنَّهُ تَعَالَى هُوَ الْعَالِمُ بِكُلِّ شَيْءٍ، الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، الْعَادِلُ فِي كُلِّ شَيْءٍ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا هِلَالُ بْنُ فَيَّاضٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدَةَ النَّاجِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ يَقُولُ: مَنْ حَكَمَ بِغَيْرِ حكم الله فحكم الجاهلية. وَأَخْبَرَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قِرَاءَةً، حَدَّثَنَا سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، قَالَ: كَانَ طَاوُسٌ إِذَا سَأَلَهُ رَجُلٌ: أُفَضِّلُ بَيْنَ وَلَدِي فِي النَّحْلِ؟ قَرَأَ أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ.... الآية،
 وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ نَجْدَةَ الْحَوْطِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «أبغض الناس إلى الله- عز وجل-، من يبتغي فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ، وَطَالَبُ دَمِ امْرِئٍ بِغَيْرِ حَقٍّ لِيُرِيقَ دَمَهُ» . وَرَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ أبي اليمان بإسناده نحوه بزيادة.
"وَقَوْلُهُ (فَلا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُم)
 يُقْسِمُ تَعَالَى بِنَفْسِهِ الْكَرِيمَةِ الْمُقَدَّسَةِ أَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ أَحَدٌ حَتَّى يُحَكِّمَ الرَّسُولَ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي جَمِيعِ الْأُمُورِ، فَمَا حَكَمَ بِهِ فَهُوَ الْحَقُّ الَّذِي يَجِبُ الِانْقِيَادُ لَهُ بَاطِنًا وَظَاهِرًا، وَلِهَذَا قَالَ:( ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) أَيْ إِذَا حَكَّمُوكَ يُطِيعُونَكَ فِي بَوَاطِنِهِمْ فَلَا يَجِدُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا حَكَمْتَ بِهِ، وَيَنْقَادُونَ لَهُ فِي الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ، فَيُسَلِّمُونَ لِذَلِكَ تَسْلِيمًا كُلِّيًّا مِنْ غَيْرِ مُمَانِعَةٍ وَلَا مُدَافِعَةٍ وَلَا مُنَازِعَةٍ، كَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَكُونَ
هواه تبعا لم جِئْتُ بِهِ».
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ : حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، قَالَ: خَاصَمَ الزبير رجلاً في شراج الْحَرَّةِ، فَقَالَ النَّبِيُّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «اسْقِ يَا زُبَيْرُ ثُمَّ أَرْسِلِ الْمَاءَ إِلَى جَارِكَ» فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْ كَانَ ابْنَ عَمَّتِكَ، فَتَلَوَّنَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثُمَّ قَالَ: «اسْقِ يَا زُبَيْرُ، ثُمَّ احْبِسِ الْمَاءَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى الْجَدْرِ، ثُمَّ أَرْسِلِ الْمَاءَ إِلَى جَارِكَ» . وَاسْتَوْعَى النَّبِيّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-لِلزُّبَيْرِ حَقَّهُ فِي صَرِيحِ الْحُكْمِ حِينَ أَحْفَظَهُ الْأَنْصَارِيُّ، وكان أشار عليهما-صلّى الله عليه وسلّم-بِأَمْرٍ لَهُمَا فِيهِ سَعَةٌ، قَالَ الزُّبَيْرُ: فَمَا أَحْسَبُ هَذِهِ الْآيَةَ إِلَّا نَزَلَتْ فِي ذَلِكَ فَلا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ الآية.
 هكذا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ هَاهُنَا، أَعْنِي فِي كِتَابِ التَّفْسِيرِ مِنْ صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ مَعْمَرٍ، وَفِي كِتَابِ الشُّرْبِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ جُرَيْجٍ وَمَعْمَرٍ أَيْضًا، وَفِي كِتَابِ الصُّلْحِ مِنْ حَدِيثِ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، ثُلَاثَتُهُمْ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، فَذَكَرَهُ، وَصُورَتُهُ صُورَةُ الْإِرْسَالِ، وَهُوَ مُتَّصِلٌ فِي الْمَعْنَى.
وَقَدْ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فَصَرَّحَ بِالْإِرْسَالِ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، حَدَّثَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ الزُّبَيْرَ كَانَ يُحَدِّثُ أَنَّهُ كَانَ يُخَاصِمُ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا إِلَى النَّبِيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي شِرَاجِ الْحَرَّةِ، كَانَا يَسْقِيَانِ بِهَا كِلَاهُمَا، فَقَالَ النَّبِي-ُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِلزُّبَيْرِ «اسْقِ ثُمَّ أَرْسِلْ إِلَى جَارِكَ» فَغَضِبَ الْأَنْصَارِيُّ وَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْ كَانَ ابْنَ عَمَّتِكَ؟
فَتَلَوَّنَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثُمَّ قَالَ: «اسْقِ يَا زُبَيْرُ ثُمَّ احْبِسِ الْمَاءَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى الْجَدْرِ» فَاسْتَوْعَى النَّبِيُّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِلزُّبَيْرِ حَقَّهُ، وَكَانَ النَّبِيُّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-َ قَبْلَ ذَلِكَ أَشَارَ عَلَى الزُّبَيْرِ بِرَأْيٍ أَرَادَ فِيهِ سَعَةً لَهُ وَلِلْأَنْصَارِيِّ، فَلَمَّا أَحْفَظَ الْأَنْصَارِيُّ رَسُولَ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اسْتَوْعَى النَّبِيُّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-َ لِلزُّبَيْرِ حَقَّهُ فِي صَرِيحِ الْحُكْمِ، قَالَ عُرْوَةُ: فَقَالَ الزُّبَيْرُ: وَاللَّهِ مَا أَحْسَبُ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ إِلَّا فِي ذَلِكَ فَلا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ، ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً.
 هَكَذَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَهُوَ مُنْقَطِعٌ بَيْنَ عُرْوَةَ وَبَيْنَ أَبِيهِ الزُّبَيْرِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ.
وَالَّذِي يُقْطَعُ بِهِ أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْ أَخِيهِ عَبْدِ اللَّهِ، فَإِنَّ أَبَا مُحَمَّدٍ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي حَاتِمٍ، رَوَاهُ كَذَلِكَ فِي تَفْسِيرِهِ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، حَدَّثَنَا ابْنُ وهب، أخبرني اللَّيْثُ وَيُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ حَدَّثَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ حَدَّثَهُ عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ، أَنَّهُ خَاصَمَ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا مع النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى رَسُولِ اللَّه-ِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فِي شِرَاجِ «4» الْحَرَّةِ كَانَا يَسْقِيَانِ بِهِ كِلَاهُمَا النَّخْلَ، فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ: سرح الماء يمر، فأبى عليه الزُّبَيْرُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «اسْقِ يَا زُبَيْرُ ثُمَّ أَرْسِلْ إِلَى جَارِكَ» فَغَضِبَ الْأَنْصَارِيُّ وَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنْ كَانَ ابْنَ عَمَّتِكَ؟ فَتَلَوَّنَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثُمَّ قَالَ: «اسْقِ يَا زُبَيْرُ ثُمَّ احْبِسِ الْمَاءَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى الْجَدْرِ» وَاسْتَوْعَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلزُّبَيْرِ حَقَّهُ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ ذَلِكَ أَشَارَ عَلَى الزُّبَيْرِ بِرَأْيٍ أَرَادَ فِيهِ السَّعَةَ له وللأنصاري، فَلَمَّا أَحْفَظَ الْأَنْصَارِيُّ رَسُولَ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، اسْتَوْعَى لِلزُّبَيْرِ حَقَّهُ فِي صَرِيحِ الْحُكْمِ، فَقَالَ الزُّبَيْرُ: مَا أَحْسَبُ هَذِهِ الْآيَةَ إِلَّا فِي ذَلِكَ فَلا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً وَهَكَذَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ وَهْبٍ بِهِ. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْجَمَاعَةُ كُلُّهُمْ مِنْ حَدِيثِ اللَّيْثِ بِهِ. وَجَعَلَهُ أَصْحَابُ الْأَطْرَافِ فِي مُسْنَدِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ. وَكَذَا سَاقَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَالْعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبِ مِنَ الْحَاكِمِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ النَّيْسَابُورِيِّ فَإِنَّهُ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَخِي ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَمِّهِ عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنِ الزُّبَيْرِ، فَذَكَرَهُ، ثُمَّ قَالَ:
صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ. فَإِنِّي لَا أَعْلَمُ أَحَدًا قَامَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ عَنِ الزُّهْرِيِّ بذكر عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ غَيْرَ ابْنِ أَخِيهِ وَهُوَ عَنْهُ ضَعِيفٌ.
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرِ بْنُ مَرْدَوَيْهِ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ أَبُو دُحَيْمٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمٍ، حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ سَلَمَةَ رَجُلٍ مِنْ آلِ أَبِي سَلَمَةَ، قَالَ: خَاصَمَ الزُّبَيْرُ رَجُلًا إِلَى النَّبِيِّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-فَقَضَى لِلزُّبَيْرِ، فَقَالَ الرَّجُلُ: إِنَّمَا قَضَى لَهُ لِأَنَّهُ ابْنُ عمته، فنزلت: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ الْآيَةُ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو حَيْوَةَ، حَدَّثَنَا سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ فِي قَوْلِهِ فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ قَالَ: نَزَلَتْ فِي الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ وَحَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ، اخْتَصَمَا فِي مَاءٍ، فَقَضَى النَّبِيُّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يَسْقِيَ الْأَعْلَى ثُمَّ الْأَسْفَلُ، هَذَا مُرْسَلٌ وَلَكِنْ فِيهِ فَائِدَةُ تَسْمِيَةِ الْأَنْصَارِيِّ.
ذِكْرُ سَبَبٍ آخَرَ غَرِيبٍ جِدًّا: - قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قِرَاءَةً، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، وأخبرني عَبْدُ اللَّهِ بْنُ لَهِيعَةَ عَنْ أَبِي الْأُسُودِ، قَالَ: اخْتَصَمَ رَجُلَانِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ- صَلَّى الله عليه وسلم- فقضى بينهما، فقال المقضي عَلَيْهِ: رُدَّنَا إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّه- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «نَعَمْ» ، انطلقا إليه، فلما أتيا إليه، فقال الرَّجُلُ: يَا ابْنَ الْخَطَّابِ قَضَى لِي رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى هَذَا.
فقال: ردنا إلى عمر بن الخطاب، فردنا إليك: فقال: أكذاك؟ قال: نَعَمْ. فَقَالَ عُمَرُ: مَكَانَكُمَا حَتَّى أَخْرُجَ إِلَيْكُمَا فأقضي بينكما. فخرج إليها مُشْتَمِلًا عَلَى سَيْفِهِ فَضَرَبَ الَّذِي قَالَ: رُدَّنَا إلى عمر فقتله، وأدبر الآخر فأتى إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَتَلَ عُمَرُ وَاللَّهِ صَاحِبِي، وَلَوْلَا أَنِّي أَعْجَزْتُهُ لَقَتَلَنِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَا كُنْتُ أَظُنُّ أَنْ يَجْتَرِئَ عُمَرُ عَلَى قَتْلِ مُؤْمِنٍ» فَأَنْزَلَ اللَّه(ُ فَلا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ... الآية)، فهدر دم ذلك الرجل وبرئ عُمَرُ مِنْ قَتْلِهِ، فَكَرِهَ اللَّهُ أَنْ يُسَنَّ ذلك بعد، فأنزل( وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ....)،
وَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ بِهِ، وَهُوَ أثر غريب مُرْسَلٌ، وَابْنُ لَهِيعَةَ ضَعِيفٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
طَرِيقٌ أُخْرَى: -قَالَ الْحَافِظُ أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ دُحَيْمٍ فِي تَفْسِيرِهِ: حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ شُعَيْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو الْمُغِيرَةِ، حَدَّثَنَا عُتْبَةُ بْنُ ضَمْرَةَ، حَدَّثَنِي أَبِي أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَضَى لِلْمُحِقِّ عَلَى الْمُبْطِلِ، فَقَالَ الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ: لَا أَرْضَى، فَقَالَ صَاحِبُهُ: فَمَا تُرِيدُ؟ قَالَ: أَنْ نَذْهَبَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، فَذَهَبَا إِلَيْهِ، فَقَالَ الَّذِي قُضِيَ لَهُ: قَدِ اخْتَصَمْنَا إِلَى النَّبِيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم-، فقضى لي، فقال أبو بكر: أَنْتُمَا عَلَى مَا قَضَى بِهِ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-َ، فَأَبَى صَاحِبُهُ أَنْ يرضى، فقال: نأتي عمر بن الخطاب، فَقَالَ الْمَقْضِيُّ لَهُ: قَدِ اخْتَصَمْنَا إِلَى النَّبِيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَضَى لِي عَلَيْهِ، فأبى أن يرضى، فسأله عمر بن الخطاب فَقَالَ كَذَلِكَ، فَدَخَلَ عُمَرُ مَنْزِلَهُ وَخَرَجَ وَالسَّيْفُ فِي يَدِهِ قَدْ سَلَّهُ، فَضَرَبَ بِهِ رَأْسَ الذي أبى أن يرضى فقتله، فأنزل فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ الآية اهـ.
وقال عند تفسير قوله-تعالى-:
[النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ]:
قد علم الله تعالى شفقة رسوله عَلَى أُمَّتِهِ وَنُصْحَهُ لَهُمْ، فَجَعَلَهُ أَوْلَى بِهِمْ من أنفسهم، وحكمه فيهم كان مُقَدَّمًا عَلَى اخْتِيَارِهِمْ لِأَنْفُسِهِمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: فَلا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً.
 وَفِي الصَّحِيحِ:(وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ نَفْسِهِ وَمَالِهِ). اهـ
قلت: وبعد أن اطلعت على كلام ابن كثير-رحمه الله-يمكنك أن تلاحظ الآتي:
1-ابن كثير-رحمه الله-ذكر في تفسيره للآية الأولى-التي جعلها مستند الإجماع –:
عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، قَالَ: كَانَ طَاوُسٌ إِذَا سَأَلَهُ رَجُلٌ: أُفَضِّلُ بَيْنَ وَلَدِي فِي النَّحْلِ؟
 قَرَأَ أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ؟
فهذا يفسر المقصود بالأثر الأول:
قال الحسن: مَنْ حَكَمَ بِغَيْرِ حكم الله فحكم الجاهلية.
فهل ابن كثير-رحمه الله-يكفر من فضل بعض بنيه في النحلة-عندك-؟
2-ابن كثير-رحمه الله-ذكر في تفسيره للآية الثانية:
أنها نزلت في الزبير بن العوام وحاطب بن أبي بلتعة الصحابي البدري الأنصاري-رضي الله عنهما-
أ-تقرَّرَ في الأصول أن صورة السبب قطعية الدخول في العام فلا يجوز إخراجها منه بمخصص وهو التحقيق-راجع المذكرةصـ201-،
فهل سبب النزول-هنا-خارج عن المراد بالآية فلا تكفرُ حاطباً-رضي الله عنه-فتستثنيه من التكفير رغم أن الآية نزلت فيه، في حين تطبقها على من لم تنزل فيه؟
ب-أم تُحمِّل تكفيره لابن كثير-رحمه الله-بحجة أنه استدل بنفس الآية وفي نفس السياق على الكفر الأكبر؟
جـ-أم تُسَلِّم أن ابن كثير يفهم من الآية أنها تشمل الكفرين وليست نصاً في الكفر الأكبر وحينئذٍ نرجع إلى تفصيل السلف؟
3-تأمل كيف قرن بين الآية وبين هذين الحديثين:

أ-وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ نَفْسِهِ وَمَالِهِ).
ب- (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَكُونَ هواه تبعا لم جِئْتُ بِهِ).

4-الذي لا شك فيه من خلال تفسيره-رحمه الله-أنه إنما أراد حكاية الإجماع المشهور عن السلف في التفصيل بين والمستحل أو الجاحد وغيره، أما أن يحمل على استئناف إجماع جديد يظهر حكماً جديداً مع أن النصوص لا تساعد على ذلك بل جميع النصوص التي اعتمدوا عليها أو جعلوها مستنداً للإجماع فهي على التفصيل.
 والله أعلم.
5-       قولك " فيبقى كلامه ليس عليه أثارة من علم "
فالجواب: بل هو كلامُ راسخٍ في العلم لم تهزه حماسة القطبين عن مذهب السلف الصالحين. والحمد لله رب العالمين.


[1]- وهي متأخرة عن رسالة تحكيم القوانين بخمس سنين لأنها مؤرخة في 9/1/1385هـ ورسالة تحكيم القوانين طبعت سنة 1380هـ
[2]- في نفس الجزء الذي نقلوا منه كلام الشيخ.
[3]- أي أن الشيخ –رحمه الله– حرر المسألة وبعد ذلك أدلى بدلوه فيها.
 *أما أن تصدر المسألة هكذا للطلاب ويصرح من خلال ذلك بتضليل القائلين بأنه كفر دون كفر، فهذه مجازفة عظيمة والسبب في طرح هذه المسألة بهذه الصورة كامن في نفس الطارح والله يتولى السرائر وعنده سبحانه تجتمع الخصوم، وتضليل الشباب والتدليس عليهم منكر كبير وجرم عظيم. وأنا على ثقة –إن شاء الله-أنه لو تتبع أحد كلام الشيخ أحمد شاكر –رحمه الله-وجمع أقواله في المسألة –إن كانت له أقوال أخرى-سيجده مؤتلفا غير مختلف؛ فذاك الظن بأبي الأشبال. [!!!]

_=======================================

رابط تحميل الملف 


شاركه على جوجل بلس

عن الكاتب العلوم الشرعية

    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيس بوك

0 التعليقات:

إرسال تعليق